يحلو للبعض القول إن جانباً غير قليل من أعمال التخريب التي تقع في البلاد هي من إنتاج «المخابرات» التي تقوم بذلك لتحقيق غايات محددة بعضها مكشوف وبعضها غير مكشوف، وأنها تستهدف أي تحرك معارض للحكم كي تشوهه تمهيداً للقضاء عليه. هذا البعض يعتقد أن أعمال التخريب التي طالت وتطول المدارس بشكل يكاد أن يكون يومياً هي من عمل «المخابرات» أيضاً، ويعتقد أن عمليات وضع قنابل وهمية أو حقيقية في بعض الشوارع وبراميل القمامة هي من عمل المخابرات، بل إن هذا البعض لا يتردد حتى عن القول إن «الاعتداء الأخير على مبنى دار الحكومة بزجاجات المولوتوف هو من عمل المخابرات»، رغم أن من نشر الخبر أولاً ورقص على لحنه هم أفراد محسوبون على «المعارضة»، ممن اختاروا العيش في الخارج وليس الإعلام الأمني بوزارة الداخلية. المسألة في اعتقادي تتضمن حقيقتين، الأولى هي أن من الطبيعي أن يتهم المحسوبون على «المعارضة الراديكالية» وزارة الداخلية بأنها وراء أي عمل تخريبي، لأنه بالمنطق لا يمكن أن تتهم نفسها، والثانية هي أن جهاز المخابرات لا يعاني من لوثة عقلية ليقوم بمثل هذه الأعمال، إلا إن كان يريد القول إن «الدولة وصلت إلى حالة من الضعف التي لم تعد معها قادرة على صد هجوم ضد دار الحكومة في قلب العاصمة»، وهذا ليس في صالحها ولا في صالح الحكومة، فأي فائدة يمكن أن تتحقق بالاعتراف أن مجموعة غاضبة قامت في وقت مبكر من الليل بمهاجمة مبنى هو في كل الأحوال رمز للحكم ويقع في قلب العاصمة؟ ربما ينبري من يقول إنها «إنما تريد أن توجد مبرراً للقبض على بعض «المعارضين»، فاسأل على الفور هل يعقل أن يكون جهاز المخابرات عاجزاً عن توفير سبب لاحتجاز بعض الأشخاص؟!هناك حقيقة ثالثة هي أن أجهزة المخابرات في كل العالم يمكنها تنفيذ عمليات من هذا القبيل وإلصاق التهمة بمعارضي الحكم وهو أمر لا يخفى على عاقل، لكن في أحوال كهذه تقوم تلك الأجهزة بعملها بحسابات دقيقة تضمن معها أن الأذى لا يصيب الحكومة التي تعمل لصالحها، بمعنى أنه لو تبين لها أن هذا الفعل سيعود بالسلب على الجهة التي تخدمها فإنها لا تقبل عليه.ترى أي فائدة يمكن أن تجنيها حكومة البحرين من وراء الاعتداء على أكثر من مائة وستين مدرسة؟ وإذا كانت بالفعل تستفيد من فعل كهذا فلماذا يطال ذلك كل هذه المدارس في وقت يمكن معه تحقيق الهدف نفسه بتخريب مدرسة أو مدرستين؟ ثم هل يساوي ما ستتكلفه الحكومة من أموال لتصليح الخراب ما قد تربحه من وراء مثل هذه الأفعال؟ المصريون يقولون «أوقف معووج وكلمني عدل»، والقول إن عمليات التخريب أو بعضها هو من عمل المخابرات قول «أعوج»، وإن كان المتفوه به «معتدلاً في وقوفه».لتنشيط الذاكرة ليس إلا أن أقول إن أحداثاً كثيرة روج البعض أنها ليست إلا مسرحيات من تأليف وإخراج وإنتاج الداخلية، واهتم بنشر هذا الأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحصل على تعاطف كبير من المنظمات الحقوقية في الخارج، وتبين بعد قليل أنها ليست كذلك، ليس أولها عمليات حرق سيارات شرطة ولن يكون آخرها عملية الاعتداء على بوابة دار الحكومة.الترويج للقول إن عمليات التخريب يقوم بها جهاز المخابرات هو لكسب تعاطف تلك المنظمات ومحاولة إقناعها بأن ممارسات «المعارضة» بنوعيها أو بوجهيها تندرج تحت عنوان السلمية، وأن كل ما يخرج عن السلمية هو من فعل المخابرات. لكن مشكلة هذا الكلام أنه غير حقيقي ولا يمكن ترويجه في الداخل، فما يجري يراه الناس بأم أعينهم.. وأبيها!