عدت أمس الأول على وقع خبر وددت لو أني لم أسمعه، أو أنه لم يقع أصلاً، غير أننا نؤمن إيماناً تاماً بقضاء الله وقدره، فلله ما أخذ ولله ما أعطى، إلا أن قدرنا أيضاً في هذا الوطن مع مسؤولين ليس لديهم (دم) ولا مسؤولية، ولا يستحقون أن يكونوا في مناصبهم، لكن ماذا نقول، فنحن ننتظر الساعة والأمر وكل إلى غير أهله..!
حادث الأمس الأول الذي راح ضحيته زهرتان من زهور الوطن، والثالثة في حالة خطرة، كان مفجعاً لنا جميعاً، قاسياً ليس لأنه حادث سيارة وحسب «عرضي»، إنما لأن تكراره بهذه الطريقة أمر مخجل ومؤسف ويجعلنا نكفر بالفساد في وزارات بعينها، في دولة لا يحاسب فيها من يتسبب بكوارث بشرية وإنسانية.
دولة الطبطبة، لن يكون فيها حساب وعقاب، ولن تستقيم الأمور، لن أذهب بعيداً إلى أوروبا واليابان، وإنما إلى دبي، فلو أن هذا الأمر حدث وتكرر وراحت ضحيته أرواح، لما بقي الوزير في مكانه، وتمت محاكمة كل أطراف المشكلة (المقاول المنفذ، المهندسين الذين أشرفوا على المشروع من الأشغال، إدارة المرور) لكن أنتم وأنا نعم أننا في دولة الطبطبة، فالإرهاب لا يطبق عليه القانون، فكيف بقضايا الناس العادية؟
حادث كوبري السيف الذي اخترقت فيه سيارة صغيرة (كورولا) الحاجز الحديدي رغم أن جزءاً كبيراً منها مصنع من الفايبر كما باقي السيارات، غير أنها صغيرة وأخف وزناً تحتاج إلى وقفة.
الكارثة الفاجعة أمس الأول مع عميق الأسف تكررت سابقاً وفي ذات الموقع وفي ذات الكوبري، وراح ضحيتها مواطن سعودي كان يستقل سيارة كروزر، وقد كتبت هنا حينها إلى وزير الأشغال مباشرة ومن هذا المنبر عن ذات الموقع وعن الحواجز الكارتونية، ولكن وزارة الأشغال إذا ردت علينا ترد كما بعض الوزارات الأخرى، يكذب الكاتب، ويقال له أنت لا تفهم، ونحن أفهم، والجميع أصبح يعرف هذه الوزارات، حتى وقعت الكارثة الثانية، وراحت زهرتان صغيرتان من زهور البحرين (الله يصبر أهلهما ويمسح على قلوبهم) كانتا تدرسان الطب كما قيل والأخرى في المستشفى.
كارثة حقيقية، والأقسى ليس في الحادث وحسب، وإنما في تكراره وفي فساد وزارة الأشغال، وهذا الأمر لا يحتاج إثباتات، هذا الحادث دليل قاطع وواضح، على أن هناك من لا يكترث لأمر البحرين وأهلها، أو أنه يعرف أن في هذا البلد لا محاسبة حقيقية.
كل المحبة والشكر والتقدير إلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء، على تفاعله مع الموضوع وتوجيهاته بمراجعة كل الحواجز الحديدية في كافة المناطق والجسور، فهذا أمر مهم جداً حتى لا يتكرر الحادث، لكن يا صاحب السمو من واجبنا أن ننقل لك إحساس الناس وأنت قريب منه، هذا لا يكفي، الناس تريد محاسبة المتسبب، والمسؤول الأول عن الفساد في تركيب حواجز ضعيفة غير آمنة بينما المقاول تقاضى ملايين الدنانير، ووزارة الأشغال هي المشرفة والمتابعة، والتي تضع الاشتراطات. حرص خليفة بن سلمان على حياة وسلامة المواطنين تجلت في مواقع كثيرة كان آخرها قضية السكلر، فله الشكر على هذه المتابعة والحرص، وهو الذي لا يفرق بين مواطنيه، والمقاييس لديه هو المقياس الوطني. من واقع محبتنا ومن واقع الحرص على المصلحة العامة نقول يجب أن يحاسب كل مسؤول تسبب في هذه الكارثة وزيراً كان أو مهندساً أو وكيلاً، وحتى في إدارة المرور التي هي أيضاً شريك أساسي في سلامة الطرق وتتحمل جزءاً من المسؤولية يجب أن يحاسب من قال إنه موافق على هذه الاشتراطات، وكل من لم يحرك ساكناً من بعد الحادث الأول رغم أن الصحافة كتبت عنه سابقاً.
يا صاحب السمو غير مقبول أن يصرح الوزير بعد الحادث ليقول إن الجسور أقيمت وفق الاشتراطات العالمية، ولو أني مكانه لبلعت لساني وسكت عن الحدث، هذا استغفال وهذا كلام غير مقبول وكذاب، وإلا لما وقع الحادثان. كل الجسور التي أقيمت تعاني من مشاكل فنية خاصة التي وضع إشارات ضوئية أسفلها، وآخرها جسر خليج البحرين، إنها كارثة وفساد لا يمكن السكوت عنه، ولا نقبل أن يجلس وزير هو سبب في ضحايا من المواطنين على طاولة مجلس الوزراء.
في دولة أخرى يقدم الوزير استقالته إن كان لديه (دم) وإحساس، وهو المسؤول عن دم الضحايا المفقودين في حوادث متكررة على ذات الشارع، وفي مناطق أخرى.
ماذا لو وقع الحادث لشاحنة نفط أو غاز؟ كيف سيكون حجم الكارثة؟
الله لطف وستر أن الحادثين لم تقع فيهما السيارتان على سيارات في الأسفل، كانت الكارثة كبيرة. المسؤولية اليوم على الدولة في تصحيح بعض الوضع، وفي إقالة وزير الأشغال دون تردد، ليس لشيء، وإنما لأن هذا الحادث تكرر وراحت ضحيته أرواح ومواطنون، ويظهر حجم الفساد في هذه الوزارة. الوضع اليوم لا يحتمل أن نتعامل مع المواضيع بالمداراة، أو بتخدير الناس، الوضع يحتاج إلى قرارات تحاكي هموم الناس وقضاياهم، وليكن هذا الموقف عبرة لبقية الوزراء الذين يتعاملون مع قضايا الناس باستخفاف واستكبار.
الآن ستأتي مناقصة جديدة للحواجز الحديدية الجديدة، والباقي عندكم، نحن ندور في ذات الفلك، فالمسؤول عن الكارثة هو من سيحدد الاشتراطات، ولا أريد التطرق للطاولة وما تحتها..! نحتاج اليوم إلى قرار شجاع في إقالة وزير الأشغال وبدون تردد، لم يعد اليوم مقبولاً تجميل أخطاء وزراء ليس لديهم حس وطني. رحم الله الزهرتين رملة ومنال وغفر لهما، وأنزل السكينة على قلوب والديهما.. وما لنا غيرك يا الله في هذا الوطن فقد ضاق بنا الحال..!
رذاذ
أقيل وزير الأشغال أم لم يقال، فإن على أسرتي الضحيتين رفع قضية على وزارة الأشغال وإدارة المرور والمسؤول الأول في الجهتين عن هذا الحادث، هذا أقل ما يمكن اتخاذه قانونياً، فمن يستهتر بأرواح الناس لا يمكن إلا أن يتعامل معه بالقانون، عسى أن يكون لدينا (قانون) وإلا فإن العدل الإلهي قادم لا محالة في ذلك اليوم المشهود.
تخطيط الطرق في البحرين يحتاج إلى مراجعات كثيرة، فهناك مواقع لا تحصى تقع فيها حوادث مرورية يذهب ضحيتها مواطنون ومقيمون باستمرار، فلا ينبغي أن نحصر الموضوع في الحواجز فقط، تصميم الطرق بها أخطاء كبيرة جداً لا يفعلها طالب سنة أولى هندسة، لكن ماذا نقول؟!