أخيراً أسدل الستار على ماراثون الموازنة العامة للسنتين الماليتين 2013 - 2014 دون أن تشمل زيادة في رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 15%، وهي النسبة التي وعد بها النواب منذ أكتوبر الماضي حينما افتتح جلالة الملك دور الانعقاد الثالث، كرر النواب دون أي مجال للشك أنه لا موازنة هذا العام دون زيادة، قالوها بكل وضوح وصراحة، ووجهوا كلامهم للناس وللحكومة في آن واحد؛ لا ميزانية وإن طال الوقت وتأخر إقرارها إلا بزيادة رواتب الناس، لكن الوقت طال وتأخر منذ أن تقدمت الحكومة بمشروع الميزانية في نوفمبر الماضي، وفي النهاية أقرت الميزانية دون زيادة الرواتب.
من الوهلة الأولى من السهل إلقاء كل اللوم على النواب والقول إنهم لم يفوا بوعودهم للناس ولم يحققوا مصالحهم ولم يستطيعوا أن يفرضوا إرادتهم على إرادة السلطة التنفيذية، قد يكون في هذا جزء كبير من الصحة؛ لكن هناك جزء آخر من الصورة يجب أن لا نغفله؛ وهو أن شريحة واسعة من النواب سعوا بجد وحاولوا بكل ما يستطيعون الضغط بالشروط الثلاثة التي وضعوها من أجل تمرير الموازنة، لكنهم قوبلوا برفض شديد من وزارة المالية، وكانت شروط النواب هي معايير جديدة لعلاوة الغلاء يستفيد منها من يصل راتبه لغاية ألف دينار، إضافة إلى زيادة المعاشات التقاعدية، وأخيراً زيادة رواتب القطاع العام بـ 15%.
تحقق من مطالب النواب مطلبان؛ وهما تعديل معايير علاوة الغلاء وزيادة معاشات المتقاعدين (وإن لم تصل لمقترح النواب، لكنها كانت مرضية لشريحة لا بأس بها من المتقاعدين)، يبقى إذاً مطلب زيادة القطاع العام هو الذي لم يتحقق منه شيء، فهل فشل النواب في تحريك أدواتهم النيابية الجديدة التي أقرت في يونيو 2012؟ أم أن المتمسكين بمطالب الناس من النواب لم يكونوا يشكلون الأغلبية، وبالتالي لم تستطع الأقلية المتمسكة بمطالب الناس كاملة (الشروط الثلاثة السابقة) أن يفرضوا إرادتهم على الأغلبية النيابية التي ارتأت أنها على الأقل حققت إنجازاً بتحقيق مطلبين تستفيد منهما الشريحة الأوسع؟
فزيادة رواتب القطاع العام لو أقرت سيستفيد منها حوالي 47 ألف موظف وتوسع الفجوة مع موظفي الخاص، في حين أن زيادة علاوة الغلاء سيتسفيد منها حوالي 100 ألف أسرة، أما زيادة المتقاعدين فسيستفيد منها 37 ألف متقاعد بالقطاعين العام والخاص، خصوصاً أن 44% من المتقاعدين رواتبهم بين 200- 299 دينار، لذلك يرى النواب أنهم حققوا 70% من المطالب، في حين يرى الناس أنهم لم يحققوا أهم المطالب.
وبين الناس المنزعجين والنواب المدافعين لا يلتفت كثيرون أن هناك طرفاً ناقصاً، وهو الحكومة، التي لها هي أيضاً مبرراتها في رفض الزيادة، تقول الحكومة من خلال وزارة المالية؛ أن العجز المتوقع في الميزانية دون زيادة الرواتب حوالي 1.415 مليار دينار، وأن الدين العام على البحرين سيصل في نهاية 2013 إلى 5 مليارات دينار، وبنهاية 2014 إلى 6 مليارات دينار، كما إن الفوائد على هذا الدين ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً.
وبحسب خبراء الاقتصاد فإن هذا الدين يعد مرتفعاً وفوائده أيضاً مرتفعة وتشكل عبئاً على نمو اقتصاد الدولة، وهي في الحقيقة مبررات منطقية تقدمها الحكومة، لكنها أيضاً تفرض أسئلة منطقية مقابلة من قبيل؛ لماذا وصل الدين العام لهذه المستويات الخطيرة؟ ولماذا يدفع تكلفتها المواطن؟ لماذا لا تزال الدولة تعتمد في دخلها القومي على النفط بنسبة 80%؟ لماذا كل هذا الهدر في الأموال العامة والذي يظهره بوضوح ويتكرر سنوياً في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية؟ لماذا الصرف بمبالغ طائلة تصل لمئات الملايين وأكثر على شركات خاسرة كطيران الخليج؟
بالأرقام الرسمية فإن تكلفة زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 15% تصل لـ 127 مليون دينار للعام 2013 و131 مليون دينار للعام 2014، فهل هذا كثير؟ وهل تعجز الدولة عن تحمل هذه التكلفة؟! وكم تساوي أمام هدر وضياع مئات الملايين بحسب تقارير ديوان الرقابة؟! ولماذا فشل النواب في إقناع وزارة المالية بذلك ولم يحركوا أدواتهم النيابية؟! ولماذا أصرت المالية على رفض هذه الزيادة؟! لماذا يحدث كل ذلك في الوقت الذي وصلت للدولة دفعات من الدعم الخليجي المتجه للمشاريع الحيوية؟ وأخيراً لماذا لم يحاسب أحد بعد كل ما جاء في تقرير ديوان الرقابة!!
- شريط إخباري..
أسئلة كثيرة جديرة بالطرح، ولا ألوم المواطنين إن صبوا جام غضبهم على النواب الذين انتخبوهم لتحقيق مصالحهم ووعودهم التي كان على رأسها تحسين الوضع المعيشي، قد يكون من واجب الدولة الحفاظ على المال العام وتخفيض النفقات، وعليها السعي لمحاربة الفساد وتنويع مصادر الدخل، لكن ذلك لا يعني أن يدفع المواطن الجزء الأكبر من الفاتورة.. أليس كذلك يا نوابنا الكرام؟!
{{ article.visit_count }}
من الوهلة الأولى من السهل إلقاء كل اللوم على النواب والقول إنهم لم يفوا بوعودهم للناس ولم يحققوا مصالحهم ولم يستطيعوا أن يفرضوا إرادتهم على إرادة السلطة التنفيذية، قد يكون في هذا جزء كبير من الصحة؛ لكن هناك جزء آخر من الصورة يجب أن لا نغفله؛ وهو أن شريحة واسعة من النواب سعوا بجد وحاولوا بكل ما يستطيعون الضغط بالشروط الثلاثة التي وضعوها من أجل تمرير الموازنة، لكنهم قوبلوا برفض شديد من وزارة المالية، وكانت شروط النواب هي معايير جديدة لعلاوة الغلاء يستفيد منها من يصل راتبه لغاية ألف دينار، إضافة إلى زيادة المعاشات التقاعدية، وأخيراً زيادة رواتب القطاع العام بـ 15%.
تحقق من مطالب النواب مطلبان؛ وهما تعديل معايير علاوة الغلاء وزيادة معاشات المتقاعدين (وإن لم تصل لمقترح النواب، لكنها كانت مرضية لشريحة لا بأس بها من المتقاعدين)، يبقى إذاً مطلب زيادة القطاع العام هو الذي لم يتحقق منه شيء، فهل فشل النواب في تحريك أدواتهم النيابية الجديدة التي أقرت في يونيو 2012؟ أم أن المتمسكين بمطالب الناس من النواب لم يكونوا يشكلون الأغلبية، وبالتالي لم تستطع الأقلية المتمسكة بمطالب الناس كاملة (الشروط الثلاثة السابقة) أن يفرضوا إرادتهم على الأغلبية النيابية التي ارتأت أنها على الأقل حققت إنجازاً بتحقيق مطلبين تستفيد منهما الشريحة الأوسع؟
فزيادة رواتب القطاع العام لو أقرت سيستفيد منها حوالي 47 ألف موظف وتوسع الفجوة مع موظفي الخاص، في حين أن زيادة علاوة الغلاء سيتسفيد منها حوالي 100 ألف أسرة، أما زيادة المتقاعدين فسيستفيد منها 37 ألف متقاعد بالقطاعين العام والخاص، خصوصاً أن 44% من المتقاعدين رواتبهم بين 200- 299 دينار، لذلك يرى النواب أنهم حققوا 70% من المطالب، في حين يرى الناس أنهم لم يحققوا أهم المطالب.
وبين الناس المنزعجين والنواب المدافعين لا يلتفت كثيرون أن هناك طرفاً ناقصاً، وهو الحكومة، التي لها هي أيضاً مبرراتها في رفض الزيادة، تقول الحكومة من خلال وزارة المالية؛ أن العجز المتوقع في الميزانية دون زيادة الرواتب حوالي 1.415 مليار دينار، وأن الدين العام على البحرين سيصل في نهاية 2013 إلى 5 مليارات دينار، وبنهاية 2014 إلى 6 مليارات دينار، كما إن الفوائد على هذا الدين ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً.
وبحسب خبراء الاقتصاد فإن هذا الدين يعد مرتفعاً وفوائده أيضاً مرتفعة وتشكل عبئاً على نمو اقتصاد الدولة، وهي في الحقيقة مبررات منطقية تقدمها الحكومة، لكنها أيضاً تفرض أسئلة منطقية مقابلة من قبيل؛ لماذا وصل الدين العام لهذه المستويات الخطيرة؟ ولماذا يدفع تكلفتها المواطن؟ لماذا لا تزال الدولة تعتمد في دخلها القومي على النفط بنسبة 80%؟ لماذا كل هذا الهدر في الأموال العامة والذي يظهره بوضوح ويتكرر سنوياً في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية؟ لماذا الصرف بمبالغ طائلة تصل لمئات الملايين وأكثر على شركات خاسرة كطيران الخليج؟
بالأرقام الرسمية فإن تكلفة زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 15% تصل لـ 127 مليون دينار للعام 2013 و131 مليون دينار للعام 2014، فهل هذا كثير؟ وهل تعجز الدولة عن تحمل هذه التكلفة؟! وكم تساوي أمام هدر وضياع مئات الملايين بحسب تقارير ديوان الرقابة؟! ولماذا فشل النواب في إقناع وزارة المالية بذلك ولم يحركوا أدواتهم النيابية؟! ولماذا أصرت المالية على رفض هذه الزيادة؟! لماذا يحدث كل ذلك في الوقت الذي وصلت للدولة دفعات من الدعم الخليجي المتجه للمشاريع الحيوية؟ وأخيراً لماذا لم يحاسب أحد بعد كل ما جاء في تقرير ديوان الرقابة!!
- شريط إخباري..
أسئلة كثيرة جديرة بالطرح، ولا ألوم المواطنين إن صبوا جام غضبهم على النواب الذين انتخبوهم لتحقيق مصالحهم ووعودهم التي كان على رأسها تحسين الوضع المعيشي، قد يكون من واجب الدولة الحفاظ على المال العام وتخفيض النفقات، وعليها السعي لمحاربة الفساد وتنويع مصادر الدخل، لكن ذلك لا يعني أن يدفع المواطن الجزء الأكبر من الفاتورة.. أليس كذلك يا نوابنا الكرام؟!