بدأ أخيراً في بعض دول الخليج العربي تنفيذ قرار مجلس التعاون اتخاذ إجراءات ضد المنتسبين إلى حزب الله المقيمين في الدول الخليجية بسبب تدخل الحزب في المعارك في سوريا وممارسته العديد من الأنشطة المعادية، ومنها التحريض على الأنظمة الخليجية ودعم المناوئين لها، حيث قامت دولة قطر بالفعل بترحيل ثمانية عشر لبنانياً من أراضيها من المقرر أن تتبعهم دفعة أخرى قوامها خمسة وعشرون، ورحلت المملكة العربية السعودية مجموعة من المقيمين على أراضيها، بينما أفاد تقرير كويتي نقلاً عن مسؤول خليجي بأن أكثر من أربعة آلاف لبناني يعملون أو يقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي سيجدون أنفسهم قبل نهاية الشهر الجاري يعودون إلى بلادهم.
أما في البحرين، التي سبقت دول التعاون بوضع حزب الله على قائمة الإرهاب، فلم تتخذ بعد إجراءات عملية لتنفيذ هذا القرار، إلا أن المتوقع أن تتخذ خطوة في هذا الاتجاه قريباً، خصوصاً مع ازدياد الضغوط التي تطالب الحكومة بعدم الاكتفاء بوضع الحزب على قائمة الإرهاب.
إلى جانب الشواهد الكثيرة على تورط حزب الله في أنشطة ضد الأنظمة الخليجية ومواقفه التي تعتبر عدائية، وكذلك تدخله المباشر في المعارك الدائرة في سوريا، يرى كثيرون أن ضعف الدولة اللبنانية وعدم قدرتها على اتخاذ أي إجراء لردع هذا الحزب ومنعه من ممارسة أنشطته التي تعتبرها دول التعاون معادية لها، وكذلك تجاهلها مطالب خليجية في هذا الخصوص ينبغي أن يكون سبباً قوياً للإسراع في تنفيذ قرار طرد المنتمين إلى هذا الحزب ومحاصرة أنشطته.
لعلها المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس التعاون الخليجي قراراً كهذا قد يعتبره البعض قاسياً، لكن المتابع لواقع الحال يعرف أن القرار بمثابة الكي الذي هو آخر الدواء، ويعني أن دول التعاون فاض بها الكيل ولم تجد حلاً آخر لمحاصرة هذا الحزب الذي بالغ في نشاطه وتدخلاته ونما دوره وتجاوز حدوده.
على مدى تاريخها لم تطلب دول التعاون من المنتمين إلى أي جنسية مغادرة أراضيها إلا مرة واحدة؛ فبعد اكتشاف المؤامرات ضد دولة الكويت عندما غزاها صدام حسين اضطرت إلى الاستغناء عن عشرات الآلاف من الأيدي العاملة من بعض الدول العربية، كرد على موقف دولهم، وكان ذلك بمثابة «قرصة أذن» لتنبيه تلك الدول بخطأ قرارها الذي كان بمثابة قفزة في الهواء.
ومع هذا غلبت صفة التسامح الخليجية وانتصرت العواطف، فعادت الأمور «سمن على عسل» بعد تحرير الكويت وحصول تغييرات كثيرة في تلك الدول؛ سواء على مستوى القيادات أو السياسات. لكن الأمر هذه المرة يختلف، فما يجري اليوم في الساحة لا يتطلب مجرد اتخاذ قرارات قاسية وتنفيذها، ولكن الاستمرار فيها وعدم التراجع عنها، فعندما يصل الأمر إلى مرحلة «نكون أو لا نكون» تزداد مسؤولية قادة التعاون، ولا يمكن لشعوب الخليج أن يقبلوا منهم غير القرارات القوية وعدم التردد في تنفيذها.
أمر واحد فقط لن تقبل به شعوب الخليج ولا يقبل به قادة التعاون أيضاً؛ هو أن تطال العقوبة من لا ناقة له في المسألة ولا جمل، فليس كل اللبنانيين منتمين إلى حزب الله، وليس كل اللبنانيين معادين لدول التعاون وشعوب الخليج العربي، وهناك الآلاف منهم ممن يرفضون سياسات هذا الحزب ولا يعتبرونه ممثلاً لهم رغم أنهم من الشيعة، فحزب الله اللبناني لا يمثل الشيعة، وينبغي ألا يمثلهم.
لبنانيون كثر اختاروا دول الخليج العربي ليقيموا فيها ويعملوا، وبينهم من المخلصين والمعطين الكثير، هؤلاء يحتاجون إلى ما يطمئنهم إلى أن القرار -ضد حزب الله وممثليه ومنفذي تعليماته- لن يطالهم، فليس عدلاً أن يكونوا ضحية هذا الحزب وتفكيره.