أحب أن أخرج عن المألوف بين حين وآخر، الكتابة على رتم واحد تزعج القارئ وربما تجعله يقلب الصفحة إن كان يقرأ من النسخة الورقية، خاصة إذا ما شعر أن المتابعات تدور في دائرة واحدة.
مهنة كاتب العمود الصحافي من أصعب المهن، البعض يحسبها هينة، إلا أنها صنفت عالمياً على أنها من أصعب المهن، ذلك أن كل المهن الذهنية تصنف من المهن الصعبة.
أحد الأخوة الكرام سألني أمس؛ كيف تستطيع أن تكتب كل يوم؟، وهو سؤال في محله، لكن السائل ربما لا يعلم أن فكرة العمود قد تكون «قيصرية» في أحيان كثيرة، خصوصاً لأي كاتب وكاتبة يحترم نفسه ولا يريد أن يكتب «أي كلام» للناس.
بالأمس أيضاً وصلتني رسائل جميلة عبر هاتفي، شعرت وأنا أقرأ الرسائل بشعور جميل وغريب، خاصة حين يغوص من كتب الرسائل في أعماق النفس البشرية.
وصلتني رسالة تحمل بعض ما كتبه الشيخ الفاضل رحمه الله علي الطنطاوي وكانت كلمات رائعة نحتاجها جميعاً.
وبالمناسبة منذ 15 عاماً أذكر أني أنهيت قراءة عدة مؤلفات للشيخ الطنطاوي، كلها كانت رائعة، جعلها الله في ميزان حسناته رحمه الله.
الرسالة التي وردتني للطنطاوي يقول فيها الشيخ: «(نفسك) عالم عجيب.. يتبدل كل لحظة ويتغير ولا يستقر على حال، تحب المرء فتراه ملكاً.
ثم تكرهه فتبصره شيطاناً، وما كان ملكاً وما كان شيطاناً، وما تبدل.
ولكن تبدلت «حالة نفسك» فتكون في مسرة، فترى الدنيا ضاحكة، ثم تراها وأنت في كدر باكية قد فرغت في السواد والحداد، ما ضحكت الدنيا قط، ولا بكت.
لكن أنت «الضاحك الباكي».
مسكين جداً أنت حين تظن أن الكره يجعلك أقوى.. وأن الحقد يجعلك أذكى
وأن القسوة والجفاف هي ما تجعلك إنساناً محترماً.
تعلم أن تضحك مع من معك وأن تشاركه ألمه ومعاناته، عش معه وتعايش به، عش كبيراً وتعلم أن تحتوي كل من مر بك ولا تصرخ عندما يتأخر صديقك، ولا تجزع حين تفقد شيئاً يخصك، تذكر أن كل شيء قد كان في لوحة القدر قبل أن تكون شخصاً من بين البشر».
ويقول الطنطاوي في جزء آخر من الرسالة: «رضا الناس غاية لا تدرك، دائماً يتناقلها الناس مبتورة غير مكتملة، وأنها بتكملتها من أروع الحكم وهي: رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فاترك ما لا يدرك، وأدرك ما لا يترك».
لا يلزم أن تكون وسيماً لتكون جميلاً، ولا مداحاً لتكون محبوباً، ولا غنياً لتكون سعيداً، يكفي أن ترضي ربك وهو سيجعلك عند الناس جميلاً وحبوباً وسعيداً.
لو أصبت 99 وأخطأت مرة واحدة لعاتبوك بالواحدة وتركوا الـ 99.
هؤلاء هم البشر، ولو أخطأت 99 مرة، وأصبت مرة واحدة، لغفر الله لك الـ 99 وقبل الواحدة..!
ذاك هو ربي، فما بالنا نلهث وراء البشر ونبتعد عن الله..!».
انتهى النقل عن كلمات الشيخ الطنطاوي، وقد قرأتها ذات مرة، سبحان الله الكلمات الطيبة تحتاج أن تقرأها أكثر من مرة، وفي كل مرة يستوقفك أمر آخر من العبارات والكلمات.
وأمس أيضاً أرسلت لي إحدى الأخوات الفاضلات رسالة ربما تختلف عن الطنطاوي، لكنها تلتقي معه في مكان ما، ووجدت أن أضعها للقارئ وأنا فيما سبق وآت أحوج من القارئ.
الحق الأدبي.. لمن كتبها، ولا أعرفه، ولو عرفته لكتبت اسمه، عنوان الرسالة يقول «موقف عالق بذهني» والرسالة عبارة عن مجموعة مواقف لأشخاص يذكرون فيها موقفاً أثر فيهم.
يقول شاب: خرجت لي أوراق الابتعاث للخارج، وعلى إثرها رأيت دموع أمي.
فقالت أمي: حين تصف اللبن (الحجارة) على قبري سافر حيث شئت.
يقول الشاب: فمزقت أوراق الابتعاث.
يقول شاب آخر: كنت في الحرم المكي فشاهدت رجلاً آسيوياً فنصحته في مسألة.
لكنه شرح لي ذات المسألة بالمذاهب الأربعة.. فخجلت من جهلي..!
موقف آخر، يروي أحد الشباب عن صديقه الذي اشترى بيتاً جديداً، فزاره والده، وأخذ يمدح البيت وقربه من المسجد، وتمنى الأب بيتاً قرب المسجد مثله.
فقام الابن وأهدى البيت لوالده، وذهب وسكن في بيتهم القديم.
شاب يروي موقفاً آخر: شاب كان برفقة أمه إلى عيادة الأسنان، الطبيب يخير الأم عن نوعية السن الذي سيضعه لها.
الولد يقول: ضع لها أي سن هي عجوز وستموت.
مات الشاب بعد أسبوع، وبقيت أمه.
انتهت الرسائل، لكن هذه السطور القادمة جاءت أسفل الرسالة ولا أعرف من كتبها لكنها جميلة، معبرة وبها عبر.
تبدأ الفقرات بهذه العبارة: « لما كان سيدنا نبي الله موسى يسري ليلاً متجهاً إلى النار يلتمس شهاباً قبساً.. لم يدر بخلده وهو يسمع أنفاسه المتعبة أنه متجه ليسمع صوت رب العالمين.. فثق بربك.
لما دعا نوح عليه السلام ربه بعد أن يئس من قومه «إني مغلوب فانتصر» لم يخطر بباله أن الله سيغرق البشرية لأجله، وأن سكان العالم سيفنون إلا هو ومن معه في السفينة.. فثق بربك.
جاع سيدنا موسى صغيراً عند فرعون وأخذ صراخه يملأ القصر، لا يقبل المراضع الكل مشغول به، آسيا.. المراضع.. الحرس، كل هذه التعقيدات لأجل قلب أم خلف النهر مشتاقة لولدها، فأخذه لها رحمة ولطفاً من رب العالمين لها ولابنها.. فثق بربك.
أبقت الظلمات على سيدنا يونس.. واشتدت عليه الهموم.. فلما اعتذر واستغفر ونادى (لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين).
قال الله تعالى: فاستجبنا له ونجيناه من الغم.. ثق بربك الواحد الأحد.
حين أخرج الله سيدنا يوسف من السجن، لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن حتى يتصدع فيخرج.
بل أرسل رؤيا تتسلل في هدوء الليل لخيال الملك وهو نائم.. فثق برك العليم القدير.
يقول إخوتنا السوريون في أرض المحشر اليوم والتي تتطهر شيئاً فشيئاً لتكون للموحدين الذين لا يشركون بالله شيئاً، يقولون (مالنا غيرك يا الله).
ونحن في كل بقعة وكل مكان وزمان نقول: مالنا غيرك يا الله، نقولها في السراء والضراء.
نحن قوم إذا ضاقت بنا الأرض والدنيا، اتسعت لنا السماء، فكيف نيأس، ارفعوا أكف التضرع والخضوع لله واعلموا أن فوق سبع سموات رب حكيم كريم، يسمع دبة النملة على الصخرة الصماء.
مهنة كاتب العمود الصحافي من أصعب المهن، البعض يحسبها هينة، إلا أنها صنفت عالمياً على أنها من أصعب المهن، ذلك أن كل المهن الذهنية تصنف من المهن الصعبة.
أحد الأخوة الكرام سألني أمس؛ كيف تستطيع أن تكتب كل يوم؟، وهو سؤال في محله، لكن السائل ربما لا يعلم أن فكرة العمود قد تكون «قيصرية» في أحيان كثيرة، خصوصاً لأي كاتب وكاتبة يحترم نفسه ولا يريد أن يكتب «أي كلام» للناس.
بالأمس أيضاً وصلتني رسائل جميلة عبر هاتفي، شعرت وأنا أقرأ الرسائل بشعور جميل وغريب، خاصة حين يغوص من كتب الرسائل في أعماق النفس البشرية.
وصلتني رسالة تحمل بعض ما كتبه الشيخ الفاضل رحمه الله علي الطنطاوي وكانت كلمات رائعة نحتاجها جميعاً.
وبالمناسبة منذ 15 عاماً أذكر أني أنهيت قراءة عدة مؤلفات للشيخ الطنطاوي، كلها كانت رائعة، جعلها الله في ميزان حسناته رحمه الله.
الرسالة التي وردتني للطنطاوي يقول فيها الشيخ: «(نفسك) عالم عجيب.. يتبدل كل لحظة ويتغير ولا يستقر على حال، تحب المرء فتراه ملكاً.
ثم تكرهه فتبصره شيطاناً، وما كان ملكاً وما كان شيطاناً، وما تبدل.
ولكن تبدلت «حالة نفسك» فتكون في مسرة، فترى الدنيا ضاحكة، ثم تراها وأنت في كدر باكية قد فرغت في السواد والحداد، ما ضحكت الدنيا قط، ولا بكت.
لكن أنت «الضاحك الباكي».
مسكين جداً أنت حين تظن أن الكره يجعلك أقوى.. وأن الحقد يجعلك أذكى
وأن القسوة والجفاف هي ما تجعلك إنساناً محترماً.
تعلم أن تضحك مع من معك وأن تشاركه ألمه ومعاناته، عش معه وتعايش به، عش كبيراً وتعلم أن تحتوي كل من مر بك ولا تصرخ عندما يتأخر صديقك، ولا تجزع حين تفقد شيئاً يخصك، تذكر أن كل شيء قد كان في لوحة القدر قبل أن تكون شخصاً من بين البشر».
ويقول الطنطاوي في جزء آخر من الرسالة: «رضا الناس غاية لا تدرك، دائماً يتناقلها الناس مبتورة غير مكتملة، وأنها بتكملتها من أروع الحكم وهي: رضا الناس غاية لا تدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فاترك ما لا يدرك، وأدرك ما لا يترك».
لا يلزم أن تكون وسيماً لتكون جميلاً، ولا مداحاً لتكون محبوباً، ولا غنياً لتكون سعيداً، يكفي أن ترضي ربك وهو سيجعلك عند الناس جميلاً وحبوباً وسعيداً.
لو أصبت 99 وأخطأت مرة واحدة لعاتبوك بالواحدة وتركوا الـ 99.
هؤلاء هم البشر، ولو أخطأت 99 مرة، وأصبت مرة واحدة، لغفر الله لك الـ 99 وقبل الواحدة..!
ذاك هو ربي، فما بالنا نلهث وراء البشر ونبتعد عن الله..!».
انتهى النقل عن كلمات الشيخ الطنطاوي، وقد قرأتها ذات مرة، سبحان الله الكلمات الطيبة تحتاج أن تقرأها أكثر من مرة، وفي كل مرة يستوقفك أمر آخر من العبارات والكلمات.
وأمس أيضاً أرسلت لي إحدى الأخوات الفاضلات رسالة ربما تختلف عن الطنطاوي، لكنها تلتقي معه في مكان ما، ووجدت أن أضعها للقارئ وأنا فيما سبق وآت أحوج من القارئ.
الحق الأدبي.. لمن كتبها، ولا أعرفه، ولو عرفته لكتبت اسمه، عنوان الرسالة يقول «موقف عالق بذهني» والرسالة عبارة عن مجموعة مواقف لأشخاص يذكرون فيها موقفاً أثر فيهم.
يقول شاب: خرجت لي أوراق الابتعاث للخارج، وعلى إثرها رأيت دموع أمي.
فقالت أمي: حين تصف اللبن (الحجارة) على قبري سافر حيث شئت.
يقول الشاب: فمزقت أوراق الابتعاث.
يقول شاب آخر: كنت في الحرم المكي فشاهدت رجلاً آسيوياً فنصحته في مسألة.
لكنه شرح لي ذات المسألة بالمذاهب الأربعة.. فخجلت من جهلي..!
موقف آخر، يروي أحد الشباب عن صديقه الذي اشترى بيتاً جديداً، فزاره والده، وأخذ يمدح البيت وقربه من المسجد، وتمنى الأب بيتاً قرب المسجد مثله.
فقام الابن وأهدى البيت لوالده، وذهب وسكن في بيتهم القديم.
شاب يروي موقفاً آخر: شاب كان برفقة أمه إلى عيادة الأسنان، الطبيب يخير الأم عن نوعية السن الذي سيضعه لها.
الولد يقول: ضع لها أي سن هي عجوز وستموت.
مات الشاب بعد أسبوع، وبقيت أمه.
انتهت الرسائل، لكن هذه السطور القادمة جاءت أسفل الرسالة ولا أعرف من كتبها لكنها جميلة، معبرة وبها عبر.
تبدأ الفقرات بهذه العبارة: « لما كان سيدنا نبي الله موسى يسري ليلاً متجهاً إلى النار يلتمس شهاباً قبساً.. لم يدر بخلده وهو يسمع أنفاسه المتعبة أنه متجه ليسمع صوت رب العالمين.. فثق بربك.
لما دعا نوح عليه السلام ربه بعد أن يئس من قومه «إني مغلوب فانتصر» لم يخطر بباله أن الله سيغرق البشرية لأجله، وأن سكان العالم سيفنون إلا هو ومن معه في السفينة.. فثق بربك.
جاع سيدنا موسى صغيراً عند فرعون وأخذ صراخه يملأ القصر، لا يقبل المراضع الكل مشغول به، آسيا.. المراضع.. الحرس، كل هذه التعقيدات لأجل قلب أم خلف النهر مشتاقة لولدها، فأخذه لها رحمة ولطفاً من رب العالمين لها ولابنها.. فثق بربك.
أبقت الظلمات على سيدنا يونس.. واشتدت عليه الهموم.. فلما اعتذر واستغفر ونادى (لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين).
قال الله تعالى: فاستجبنا له ونجيناه من الغم.. ثق بربك الواحد الأحد.
حين أخرج الله سيدنا يوسف من السجن، لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن حتى يتصدع فيخرج.
بل أرسل رؤيا تتسلل في هدوء الليل لخيال الملك وهو نائم.. فثق برك العليم القدير.
يقول إخوتنا السوريون في أرض المحشر اليوم والتي تتطهر شيئاً فشيئاً لتكون للموحدين الذين لا يشركون بالله شيئاً، يقولون (مالنا غيرك يا الله).
ونحن في كل بقعة وكل مكان وزمان نقول: مالنا غيرك يا الله، نقولها في السراء والضراء.
نحن قوم إذا ضاقت بنا الأرض والدنيا، اتسعت لنا السماء، فكيف نيأس، ارفعوا أكف التضرع والخضوع لله واعلموا أن فوق سبع سموات رب حكيم كريم، يسمع دبة النملة على الصخرة الصماء.