طرحنا سابقاً عدداً من الأسئلة في محاولة جادة لفتح الملف الكردي، وتمحيص دوره السياسي في وعلى المنطقة، وأشرنا إلى توزع التمركز الكردي على أربع دول رئيسة «تركيا، إيران، العراق، سوريا» تجمع بينها جغرافياً «كردستان الكبرى» في الوسط. ولكن.. ما السبب وراء عدم استقلال كردستان رغم تاريخها الطويل، ورغم الفرص الكثيرة التي أتيحت لها من أجل الاستقلال، لاسيما عقب الحرب العالمية الأولى؟!! وكيف انقسمت كردستان بين الدول الأربع التي نتحدث عنها؟
تجيب عن هذه التساؤلات «معاهدة سيفر» في عام (1920) والتي نصت على مشروع الكيان الكردي واستقلاله كدولة، والتي سرعان ما استبدلت بـ»معاهدة لوزان» عقب ثلاث سنوات، متناولةً حقوق الأكراد باعتبارهم «أقليات» في تركيا، وقسمت كردستان في ما بعد بين الدول الأربع المذكورة أعلاه. ولكن المتمعن في حقيقة الأمر يجد المعاهدة الأخيرة قد وضعت الأقليات في اضطهاد مسخ الهويات، المتوافق مع الهوى التركي. ولم يقتصر هذا على الأكراد وحسب؛ بل تخلت المعاهدة كذلك عن الأرمن والآشوريين. وكانت تركيا من أوائل الدول التي تخلت بدورها عن الأقليات وفق «سياسة التهجير القسرية المنظمة» لكل من الأرمن من المسيحيين والسريان والآشوريين والأكراد ذوي الغالبية المسلمة السنية؛ وهو ما سبب أزمة «أجانب تركيا» في سوريا.
يتطلب ما سبق أيضاً، مزيداً من التفنيد للأكراد في أقسامهم الأربعة، والتعرف -على عجالة- على خصائصهم فيها. ونظراً للغالبية العظمى من الأكراد والمتمركزة في تركيا حتى يومنا هذا، إلى جانب طرقنا الأبواب ذات الأهمية في الملف التركي في عدد من المواضع السابقة؛ فإنه لابد من الوقوف عند أكراد تركيا في تاريخ طويل نسبياً.
ضمن «سياسة التتريك» الإلزامية التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك عقب سقوط الدولة العثمانية وإقامة جمهورية تركيا، والتي جرمت استخدام الأقليات للغاتهم وثقافاتهم؛ انصهرت هوية الأكراد في البوتقة التركية، وكذلك أقليات أخرى نحو العرب والشركس والأشوريين والأرمن، الذين انتفضوا على هذه السياسة، فيما لم تزدهم انتفاضتهم تلك إلا وبالاً وتدميراً، وخصوصاً الأكراد الذين قتل منهم قرابة المليون ونصف المليون، والذين كان يطلق عليهم حينها «شعب شرق الأناضول». ولم يتم الاعتراف بوجود كردي في تركيا إلا عقب العمليات المسلحة لـ»حزب العمال الكردستاني» في الثمانينات من القرن الماضي، والذي حدا تركيا في مطلع التسعينات لاستعمال رسمي لكلمة «الأكراد».
أما أكراد إيران فقد تعرضوا للاضطهاد لاسيما من قبل روح الله الخميني في خواتيم السبعينات من القرن الماضي، متمثلاً في منعهم من المشاركة في كتابة الدستور، ويعلل ذلك بأن غالبية أكراد إيران من السنة!! وقد تعرض أكراد إيران في مطلع الثمانينات لحملة تمشيط واسعة على مناطقهم، ورغم ظهور صراع مسلح بين الأكراد والحكومة الإيرانية في الفترة المذكورة «خواتيم السبعينات ومطلع الثمانينات» إلا أنها تمخضت عن اعتقال وإعدام كثير من الأكراد، ما دفع أحزابهم السياسية للانضمام للصفوف العراقية أثناء حرب الخليج الأولى، بعد تمركزهم في العراق.
ورغم أن بداية كردستان كانت في عهد السلاجقة في المنطقة الممتدة بين جمهورية أذربيجان ولورستان في إيران، إلا أنه طرأت على جغرافيتها تغيرات وتوسعات تاريخية مهمة، نحو ضم العراق إليها بموجب «اتفاقية سايكس بيكو» في عام «1923» أي مع بداية إقامة «المملكة العراقية» التي توحدت فيها كل من البصرة وبغداد والموصل، بفعل السياسات الإنجليزية عقب الحرب العالمية الأولى. ونظراً للتشابك والتداخل في القضية الكردية وتوزع الأكراد في مناطق مختلفة، عملت العراق على التعاون مع الأكراد حيناً والامتناع عنه أحياناً أخرى وفق العلاقات السياسية الديناميكية بينها وبين كل من إيران وتركيا وسوريا، فضلاً عن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، وعدد من الحلفاء لتلك الأطراف. ومع ذلك.. تبقى العراق هي البلد الوحيد الذي منح الأكراد اعترافاً رسمياً في عهد نظام صدام حسين، فضلاً عن أنه أصبح لهم تمثيل سياسي عقب عام «2006»، وذلك نظراً للعلاقات الكردية مع كل من أمريكا وإسرائيل والتي سنتناولها بمزيد من التفصيل والمعالجة في وقت لاحق.
وقد واجه أكراد سوريا جانباً من مصير أقرانهم في تركيا؛ إذ عملت سوريا أثناء حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد على سياسة منظمة لتعريب الأقليات ومنها الكردية في طمس فاضح لهويتهم، نحو ما انتهجته تركيا من أجل «التتريك». كما أعلنت الحكومة السورية في عهده أن قرابة المليون من الأكراد ليسوا مواطنين سوريين؛ معللة ذلك بعدم توفر بيانات حول أجدادهم في سجلات النفوس العثمانية قبل سقوطها، ما يعني ألا حق لهم في امتلاك الأراضي والعقارات، ولا دخول كليات الطب والهندسة، أو العمل في المؤسسات الحكومية، فضلاً عن منعهم من التزوج من مواطن سوري، وكذلك لا يمكنهم السفر لدول أخرى. ورغم اعتراف بشار الأسد بالوجود الكردي في سوريا في أحد خطاباته التي قال فيها: «إن القومية الكردية جزء من التاريخ السوري والنسيج السوري» إلا أنه ليس ثمة إمكانية لتلك الأقلية في تكوين حزب سياسي ما في سوريا، باستثناء «الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي» الذي مارس نشاطه بشيء من العلنية، فيما تعاملت معه الحكومة السورية بنوع من المزاجية السياسية، في غض الطرف عنه أحياناً ومنعه أحياناً أخرى.
أسئلة أخرى مثارة حول جغرافية كردستان وثروات الدول الأربع المتمركزة فيها، فضلاً عن أوراق الضغط المتعددة في التناحر على الشرق الأوسط بشكل عام والذي يمس القضية الكردية في كثير من الأحيان أو تمسه، على غفلة نسبية للشعوب العربية والشرق أوسطية. وهي التي سنتناولها بمزيد من التفصيل والتحليل، فترقبوا الطرح القادم حول تلك القضية وانعكاساتها على المنطقة ككل.
{{ article.visit_count }}
تجيب عن هذه التساؤلات «معاهدة سيفر» في عام (1920) والتي نصت على مشروع الكيان الكردي واستقلاله كدولة، والتي سرعان ما استبدلت بـ»معاهدة لوزان» عقب ثلاث سنوات، متناولةً حقوق الأكراد باعتبارهم «أقليات» في تركيا، وقسمت كردستان في ما بعد بين الدول الأربع المذكورة أعلاه. ولكن المتمعن في حقيقة الأمر يجد المعاهدة الأخيرة قد وضعت الأقليات في اضطهاد مسخ الهويات، المتوافق مع الهوى التركي. ولم يقتصر هذا على الأكراد وحسب؛ بل تخلت المعاهدة كذلك عن الأرمن والآشوريين. وكانت تركيا من أوائل الدول التي تخلت بدورها عن الأقليات وفق «سياسة التهجير القسرية المنظمة» لكل من الأرمن من المسيحيين والسريان والآشوريين والأكراد ذوي الغالبية المسلمة السنية؛ وهو ما سبب أزمة «أجانب تركيا» في سوريا.
يتطلب ما سبق أيضاً، مزيداً من التفنيد للأكراد في أقسامهم الأربعة، والتعرف -على عجالة- على خصائصهم فيها. ونظراً للغالبية العظمى من الأكراد والمتمركزة في تركيا حتى يومنا هذا، إلى جانب طرقنا الأبواب ذات الأهمية في الملف التركي في عدد من المواضع السابقة؛ فإنه لابد من الوقوف عند أكراد تركيا في تاريخ طويل نسبياً.
ضمن «سياسة التتريك» الإلزامية التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك عقب سقوط الدولة العثمانية وإقامة جمهورية تركيا، والتي جرمت استخدام الأقليات للغاتهم وثقافاتهم؛ انصهرت هوية الأكراد في البوتقة التركية، وكذلك أقليات أخرى نحو العرب والشركس والأشوريين والأرمن، الذين انتفضوا على هذه السياسة، فيما لم تزدهم انتفاضتهم تلك إلا وبالاً وتدميراً، وخصوصاً الأكراد الذين قتل منهم قرابة المليون ونصف المليون، والذين كان يطلق عليهم حينها «شعب شرق الأناضول». ولم يتم الاعتراف بوجود كردي في تركيا إلا عقب العمليات المسلحة لـ»حزب العمال الكردستاني» في الثمانينات من القرن الماضي، والذي حدا تركيا في مطلع التسعينات لاستعمال رسمي لكلمة «الأكراد».
أما أكراد إيران فقد تعرضوا للاضطهاد لاسيما من قبل روح الله الخميني في خواتيم السبعينات من القرن الماضي، متمثلاً في منعهم من المشاركة في كتابة الدستور، ويعلل ذلك بأن غالبية أكراد إيران من السنة!! وقد تعرض أكراد إيران في مطلع الثمانينات لحملة تمشيط واسعة على مناطقهم، ورغم ظهور صراع مسلح بين الأكراد والحكومة الإيرانية في الفترة المذكورة «خواتيم السبعينات ومطلع الثمانينات» إلا أنها تمخضت عن اعتقال وإعدام كثير من الأكراد، ما دفع أحزابهم السياسية للانضمام للصفوف العراقية أثناء حرب الخليج الأولى، بعد تمركزهم في العراق.
ورغم أن بداية كردستان كانت في عهد السلاجقة في المنطقة الممتدة بين جمهورية أذربيجان ولورستان في إيران، إلا أنه طرأت على جغرافيتها تغيرات وتوسعات تاريخية مهمة، نحو ضم العراق إليها بموجب «اتفاقية سايكس بيكو» في عام «1923» أي مع بداية إقامة «المملكة العراقية» التي توحدت فيها كل من البصرة وبغداد والموصل، بفعل السياسات الإنجليزية عقب الحرب العالمية الأولى. ونظراً للتشابك والتداخل في القضية الكردية وتوزع الأكراد في مناطق مختلفة، عملت العراق على التعاون مع الأكراد حيناً والامتناع عنه أحياناً أخرى وفق العلاقات السياسية الديناميكية بينها وبين كل من إيران وتركيا وسوريا، فضلاً عن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، وعدد من الحلفاء لتلك الأطراف. ومع ذلك.. تبقى العراق هي البلد الوحيد الذي منح الأكراد اعترافاً رسمياً في عهد نظام صدام حسين، فضلاً عن أنه أصبح لهم تمثيل سياسي عقب عام «2006»، وذلك نظراً للعلاقات الكردية مع كل من أمريكا وإسرائيل والتي سنتناولها بمزيد من التفصيل والمعالجة في وقت لاحق.
وقد واجه أكراد سوريا جانباً من مصير أقرانهم في تركيا؛ إذ عملت سوريا أثناء حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد على سياسة منظمة لتعريب الأقليات ومنها الكردية في طمس فاضح لهويتهم، نحو ما انتهجته تركيا من أجل «التتريك». كما أعلنت الحكومة السورية في عهده أن قرابة المليون من الأكراد ليسوا مواطنين سوريين؛ معللة ذلك بعدم توفر بيانات حول أجدادهم في سجلات النفوس العثمانية قبل سقوطها، ما يعني ألا حق لهم في امتلاك الأراضي والعقارات، ولا دخول كليات الطب والهندسة، أو العمل في المؤسسات الحكومية، فضلاً عن منعهم من التزوج من مواطن سوري، وكذلك لا يمكنهم السفر لدول أخرى. ورغم اعتراف بشار الأسد بالوجود الكردي في سوريا في أحد خطاباته التي قال فيها: «إن القومية الكردية جزء من التاريخ السوري والنسيج السوري» إلا أنه ليس ثمة إمكانية لتلك الأقلية في تكوين حزب سياسي ما في سوريا، باستثناء «الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي» الذي مارس نشاطه بشيء من العلنية، فيما تعاملت معه الحكومة السورية بنوع من المزاجية السياسية، في غض الطرف عنه أحياناً ومنعه أحياناً أخرى.
أسئلة أخرى مثارة حول جغرافية كردستان وثروات الدول الأربع المتمركزة فيها، فضلاً عن أوراق الضغط المتعددة في التناحر على الشرق الأوسط بشكل عام والذي يمس القضية الكردية في كثير من الأحيان أو تمسه، على غفلة نسبية للشعوب العربية والشرق أوسطية. وهي التي سنتناولها بمزيد من التفصيل والتحليل، فترقبوا الطرح القادم حول تلك القضية وانعكاساتها على المنطقة ككل.