لن أتحدث عن الأطراف الداخلية المستفيدة من استمرار الصراع الطائفي العنيف داخل الأراضي السوريـــة، لكـــن سأتحـــدث عــن الأطـــراف الإقليميـــة والدوليـــــة المستفيدة من استمرار هذه الحالة أطول فترة ممكنة.
المستفيد الأول من استمرار الصراع السوري هو الكيان الإسرائيلي؛ الذي كان صاحب المخاوف الكبرى عندمــا بــدأت الثــورات العربيــة والفوضى الخلاقة في المنطقـة. ولكن تل أبيب ترى اليوم الوضع مختلفـــاً، فدول المنطقة وقواها الإقليمية صارت خائرة ورخوة وتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، فلا توجد سوريا أو مصر على سبيل المثال، وحتى سوريــــا التي كانت تشكل قلقاً بالنسبة للكيان انتهت من غير رجعة.
أما بالنسبة للعراق كقوة إقليمية فبات طرفاً مسيطراً عليـه بحكـــم المصالح الاستراتيجية مع طهران التـــي تديـــر تفاعـــلات النظـــام السياسي العراقي اليوم. وبشكل عام فإن معظم الدول العربية اليوم باتت أكثر انشغالاً بقضاياها وتحدياتها الداخلية أكثر من أي وقت مضى، ويمكن النظر إلى الموقــف الرسمي المصري كمثــال على ذلك، فمصر التي كانت نافذة على مستوى السياسات الخارجية العربية اليوم، بات دورها الإقليمي والدولي محدوداً للغاية اليوم في ظل ظروفها الداخلية المعقدة.
أما إيران فترى أنها مجبرة على خوض حرب وصراع عنيف بحكم الأيديولوجيا التي تدفع إلى تهيئة الأجواء لمرحلة ما قبل المعركة الأخيرة، وبحكم المصالح التي تدفعها للمواجهة المباشرة وحتى العسكرية من أجل الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط. فلا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمـام حصــار حــزب الله الإرهابــي عربياً أو حتى دولياً، لأنه يمثل معقلها العربي الوحيد في منطقة الشام.
علـــى الصعيـــد الدولـــي؛ تبقـــى واشنطــن أمــام وضع محير، فهــي بين خيارين؛ إما بذل الجهود لإنهاء الصراع العسكري الدائر في الأراضي السورية، أو الخيار الثاني وهو الحفاظ على الوضع القائم وإطالة أمد الصراع لأطول فترة ممكنة من أجل المحافظة على توازن القوى على مستوى الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل وجود جدل واسع بين دوائر صنع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية بشأن مخاطر حسم الصراع الطائفي في المنطقة حالياً، لأنه يمكن أن يؤدي إلى موجة أكثر عنفاً من التطرف قد تضر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
فيمـا يتعلــــق بالعضــــو الدائــــم بمجلس الأمن الدولي روسيا، فإنه مستفيد كذلك من استمرار الصراع السوري، لأن سقوط نظام الأسد يعني انكسار ضلع في مثلث تحالفاته في الشرق الأوسط التي تعتمد على (سوريا + إيران)، وهـو تصور غير مقبول لموسكو نهائياً ومصالحها في المنطقة.
المحصلة النهائية من مواقف ومصالح الأطراف الأربعة أنها لا تشير إلى إمكانية حسم الصراع السوري سريعاً، حتى وإن تفاقم ووصل إلى حالات متقدمة من الصـــراع كحـــرب إقليميـــة، لأن المكاسب التي يمكن نيلها من استمراره أكبر بكثير من تلك التـي يمكن حصادها إذا حسم الصراع فوراً.
وتبقى الخيارات الأهم لدى العرب، وتحديداً دول مجلس التعاون التي مازال دورها حذراً تجاه الصراع السوري، خاصة وأنها لم تستخدم الأدوات الأهم في سياساتها الخارجية حتى الآن.