يحكى في قديم الزمان؛ من وجود تاجر أقمشة يتحلى بالكثير من الذكاء والدهاء، الناس يقدمون للشراء منه دون أن يكاسرونه في سعر هذا وذاك؛ فهو يعلم كيف يقنعهم بأنه لا يؤمّن من بيعه إلا قوت يومه ولا يزيد على ربحه ولا يعرف معنى الرفاه والرخاء.
ذات يوم اضطر أن يبيع بخسارة بسبب أحد المتسوقين الذي تمكن من أن يفاصله ويجادله مدة ساعتين كاملتين في سبيل تخفيض السعر، وكلما حاول البائع الإقناع زاد المشتري بارتفاع صوته وإصراره، إلى أن رضخ التاجر نهاية الصفقة أمام عناد المشتري، ومنذ ذلك الوقت عرف المثل الذي يقول «الفاجر أكل مال التاجر».
ولكي يتم حفظ حقوق المستهلك والتاجر على حد سواء، بدأنا نلاحظ الاضمحلال بالأسواق المفتوحة والمحال التجارية التي ما إن تمر بها حتى تسمع أصوات الباعة كي يقنع المارّة من الناس، وفي كل أشكال الأسواق مفتوحة أو مغلقة؛ قديمة أو جديدة تجد أن المرأة هي بطل ساحات الأسواق بدون منازع، سواء كان إغراؤها عن طريق صوت بائع يهتف في تقديم مفاضلة نوعية أو مادية أو انجذابها إلى لوحة مكتوب عليها تنزيلات بالخط العريض.
وإن كان «الفاجر» بصوته وإصراره أكل مال التجار، الأمر الذي أدى بهم مع الوقت في العزوف عن مثل هذه الأسواق واستطاعت المجمعات التجارية الكبيرة أن تقضي على صغار الباعة المنتشرة في الأزقة والأرواق، فشتان بينها وبين نار الإرهاب التي أكلت الأخضر واليابس، واستساغت قلقنا وارتوت من انتهاك أمننا والتهمت راحت بالنا وتلذذت بسرقة ابتسامتنا وهددت أبواب رزق الكبار والصغار من كل الأطياف بأرخص الأسعار، ومن دون مفاوضة ولا حتى اعتبار.
فبالأمس كانوا مجتمعين في بيت عامر بالناس الوطنيين وفي الخطابات والأشعار مغردين، وبين مؤيد ومعارض منقسمين، والشعب في كلا الحالات كالمتسوقين أو تحديداً كالمارة المتفرجين، لكن ما عادت تؤثر بهم أصوات المهرجين اللذين هم لسلعهم عارضين، وبأعلى أصواتهم جاذبين، كي يسجلوا رصيداً للغافلين.
للأسف؛ فقد نسوا أن الشعب صار من المتيقظين وبانتظار أمر رشيد لا قول جميل بعد هذا الصبر الطويل، فلم يعد يطيق وعود مكللة بالأهازيج حتى ولو كان الصوت يخترق جبل الجليد! فهذه الجزيرة ستبقى بعز قيادتها وترابط أهلها من الصامدين، ولن تنفع أهل التقية حينها كلامهم اللين الجميل الذي يدخل العقل ويتركز في حبل الوريد. فالشعب لن يتنازل عن أبسط حقوقه للمجادلين، والتوصيات تشمل كل آت وحين وكلنا ثقة برجاحة تفكير الوالد الحكيم الذي شمل بعفوه كل من الطيب واللئيم.
فسلام على كل أمر رشيد الذي يحمينا من الناس الضالين. وها أنا أردد ما قاله الشاعر الحزين في يوم صار من الغابرين..
لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصــــانُ
فــلا يُـغـرُّ بطيب العيـش إنسانُ
هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ
مَـن سَـــرَّهُ زَمــنٌ ســاءَتـهُ أزمــانُ
وكلنا أمل برب العرش العظيم أن تعود أيام الزمن الجميل المتفردة بالمحبة بين جميع أطيافها المخلصين، فهو من قال في محكم التنزيل «أليس الصبح بقريب».