أكثر الوزارات التي تواجه تحدي الإرهاب هي وزارة الداخلية بلا منازع، وهي الوزارة التي قامت بجهود بارزة من أجل إنهاء المحاولة الانقلابية في العام 2011، وهي الوزارة التي لم تهدأ لتنفيذ المهام المناطة بها، ولم يخرج منتسبوها في إجازة منذ أكثر من عامين، وأينما توجهت في مناطق البحرين فإنك ستجد حضورها ميدانياً لبسط الأمن والاستقرار وإنفاذ القانون. وإذا حاولت تتبع أكثر الجهات الحكومية حرصاً على تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، فإنها بالطبع وزارة الداخلية، وهو ما دفعها لتغيير الكثير من أنظمتها وإجراءاتها لتتناسب مع تلك التوصيات، وتتوافق مع الممارسات الشرطية الدولية، ومعايير ومبادئ حقوق الإنسان.
هذه الحالة جعلتها موضع تقدير من قبل أركان الحكم في الدولة من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، ولهذا كانت أكثر الوزارات زيارة من قبل قيادة الدولة. وقبل ذلك وهو الأهم أن منتسبي الوزارة هم الأكثر تقديراً على المستوى الشعبي لأن المواطنين بمختلف مكوناتهم يرون رجال الأمن صماماً رئيساً لحفظ الأمن الوطني، وتابعوا على مدى عامين التضحيات الكبيرة التي قدمها رجال الأمن في سبيل مواجهة الجماعات الراديكالية، والتي تحولت إلى خلايا إرهابية استهدفت رجال الأمن والمواطنين والمقيمين والممتلكات العامة والخاصة. وهي تضحيات ستبقى مسطرة في تاريخ البحرين الحديث، وتستحق بلاشك إنشاء نصب تذكاري خاص لرجال الأمن الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل حفظ أمن وطنهم تقديراً لهم، وتقديراً لأسرهم، وتخليداً لدورهم الوطني البارز في تاريخ المملكة.
مطلع الأسبوع الماضي أقرت توصيات المجلس الوطني لاجتثاث الإرهاب، وهي توصيات تاريخية، حيث فوض ممثلو الشعب بمختلف مكوناته من سنة وشيعة ومسيحيين ويهود وغيرهم الحكومة لاتخاذ إجراءات محددة من شأنها المساهمة في اجتثاث الإرهاب، ومازال الرأي العام البحريني يعيش حالة من الشغف بتنفيذ تلك التوصيات بأسرع وقت ممكن، وهو ما استجابت لها الإرادة الملكية السامية باستخدام جلالة الملك صلاحياته الدستورية في إصدار مراسيم بقوانين لتشديد عقوبات التحريض وعقوبات المتورطين في الأعمال الإرهابية، وهي عقوبات نعتقد أنها كافية اليوم لاجتثاث الإرهاب عن بكرة أبيه.
قبل إقرار توصيات المجلس الوطني دار جدل محدود بشأن جدوى الحاجة لتشديد عقوبات الأعمال الإرهابية من عدمها. فهناك من قال إن النظام القانوني في البحرين ليس بحاجة لمزيد من التعديلات أو القوانين الجديدة لتشديد عقوبات الإرهاب بل المطلوب مزيداً من الحزم في التنفيذ. والبعض الآخر طالب بأبعد من ذلك وقال ينبغي تشديد العقوبة لأقصى مدى لضمان قوتها في الردع.
في النهاية أقرت التوصيات من المجلس الوطني وتم تعديل القوانين، ولكن المسألة لن تتوقف عن ذلك، فالإرهاب مازال مستمراً وآخر أعماله الخلية التي تم اكتشافها مؤخراً في إحدى القرى بما تملكه من أسلحة محلية الصنع، وبعدها جاء تفجير حديقة البديع، فهل توقف الإرهاب؟ بل تصاعد، ومن المتوقع أن يتصاعد أكثر فأكثر خلال الفترة المقبلة.
جميع وزارات وأجهزة الدولة لديها القدرات والإمكانات لتنفيذ التوصيات بأسرع وقت ممكن، وهذا ما يطلبه الرأي العام اليوم. البعض يدفعه الحماس ليعتقد أن المتورطين عن الإرهاب سيتم اعتقالهم، وسيتم محاكمتهم، وسيتم إسقاط جنسيتهم، وسيتم ترحيلهم، أو سيتم إعدامهم.. إلخ من السيناريوهات المتعددة والمنتشرة هذه الأيام.
تنفيذ القوانين وتوصيات المجلس الوطني من الممكن أن يتم في 48 ساعة، ولدينا القدرات والسند القانوني لتحقيق ذلك. ولكن ماذا بعد اتخاذ جميع هذه الإجراءات، هل انتهى الإرهاب؟
فالمحرض إذا كان اليوم موجوداً بيننا في البحرين، بإمكانه أن يواصل تحريضه في الخارج، لتقوم خلاياه في الداخل بمواصلة المهمة.
اجتثاث الإرهاب يجب أن يشمل عدة مسارات كما تحدثنا عن ذلك سابقاً، ومنها المسار الأمني، والمسار القانوني، والمسار المالي، وغيرها. ولكن الحلقة المفقودة في عملية اجتثاث الإرهاب هي غياب آليات الوعي السياسي الذي من شأنه أن يحصن المجتمع من الإرهاب، وهي مسؤولية جماعية لا تتحملها وزارة الداخلية فحسب، وإنما كافة وزارات وأجهزة الدولة، وأي فشل لا يعني فشل هذه الوزارة أو تلك، وإنما يعني فشل المجتمع بأكمله في اجتثاث الإرهاب.
وهذا الوعي من الممكن أن يأتي وسائل الإعلام سواءً كانت صحافة، أو حتى الإذاعة والتلفزيون، فليس منطقياً أن يبدأ المجتمع ويتضامن لاجتثاث الإرهاب، ولا توجد برامج إذاعية أو تلفزيونية تحذر المجتمع من الإرهاب، وليس منطقياً أيضاً ألا نرى علماء الدين وخطباء المساجد يتحدثون عن خطورة الإرهاب وضرورة محاربته بدلاً من الحديث عن بعض الأحكام الدينية. وليس منطقياً ألا نرى الجهة المعنية بتطوير الثقافة السياسية بعيدة كل البعد عما يدور في المجتمع وجهود لاجتثاث الإرهاب. وليس منطقياً ألا نرى المدارس تغير مناهجها الدراسية أو تعد برامج موازية لتوعية الشباب بخطورة الإرهاب والانخراط فيه.
هذا المشهد هو ما يدفع بعض المسؤولين للتنصل من مسؤولياتهم، وإلقاء التهم والمسؤولية على وزارة الداخلية لتبرير عدم المسؤولية، فترى المسؤول عندما يتم الحديث عن الإرهاب يقول إن وزارة الداخلية لم تبدأ بعد مهمتها، ولذلك فإنه سيتحرك بعد أن تبدأ هي بالتحرك!
منطق غريب بعيد عن المسؤولية التضامنية والتفويض الشعبي الذي نالته الحكومة لتنفيذ توصيات اجتثاث الإرهاب. لهذا نقول لوزارة الداخلية، وغيرها من الوزارات أنها تتحمل المسؤولية ليست وحدها، فجميع شعب البحرين بمختلف مكوناته معها، وهي مسؤولية جماعية على الجميع القيام بها، ومن واجبنا القيام بها حفظاً للأمن والاستقرار، ومن واجبنا الحفاظ على الدعم لوزارة الداخلية، وغيرها من الأجهزة الحكومية وصولاً لاجتثاث الإرهاب من البلاد.
{{ article.visit_count }}
هذه الحالة جعلتها موضع تقدير من قبل أركان الحكم في الدولة من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، ولهذا كانت أكثر الوزارات زيارة من قبل قيادة الدولة. وقبل ذلك وهو الأهم أن منتسبي الوزارة هم الأكثر تقديراً على المستوى الشعبي لأن المواطنين بمختلف مكوناتهم يرون رجال الأمن صماماً رئيساً لحفظ الأمن الوطني، وتابعوا على مدى عامين التضحيات الكبيرة التي قدمها رجال الأمن في سبيل مواجهة الجماعات الراديكالية، والتي تحولت إلى خلايا إرهابية استهدفت رجال الأمن والمواطنين والمقيمين والممتلكات العامة والخاصة. وهي تضحيات ستبقى مسطرة في تاريخ البحرين الحديث، وتستحق بلاشك إنشاء نصب تذكاري خاص لرجال الأمن الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل حفظ أمن وطنهم تقديراً لهم، وتقديراً لأسرهم، وتخليداً لدورهم الوطني البارز في تاريخ المملكة.
مطلع الأسبوع الماضي أقرت توصيات المجلس الوطني لاجتثاث الإرهاب، وهي توصيات تاريخية، حيث فوض ممثلو الشعب بمختلف مكوناته من سنة وشيعة ومسيحيين ويهود وغيرهم الحكومة لاتخاذ إجراءات محددة من شأنها المساهمة في اجتثاث الإرهاب، ومازال الرأي العام البحريني يعيش حالة من الشغف بتنفيذ تلك التوصيات بأسرع وقت ممكن، وهو ما استجابت لها الإرادة الملكية السامية باستخدام جلالة الملك صلاحياته الدستورية في إصدار مراسيم بقوانين لتشديد عقوبات التحريض وعقوبات المتورطين في الأعمال الإرهابية، وهي عقوبات نعتقد أنها كافية اليوم لاجتثاث الإرهاب عن بكرة أبيه.
قبل إقرار توصيات المجلس الوطني دار جدل محدود بشأن جدوى الحاجة لتشديد عقوبات الأعمال الإرهابية من عدمها. فهناك من قال إن النظام القانوني في البحرين ليس بحاجة لمزيد من التعديلات أو القوانين الجديدة لتشديد عقوبات الإرهاب بل المطلوب مزيداً من الحزم في التنفيذ. والبعض الآخر طالب بأبعد من ذلك وقال ينبغي تشديد العقوبة لأقصى مدى لضمان قوتها في الردع.
في النهاية أقرت التوصيات من المجلس الوطني وتم تعديل القوانين، ولكن المسألة لن تتوقف عن ذلك، فالإرهاب مازال مستمراً وآخر أعماله الخلية التي تم اكتشافها مؤخراً في إحدى القرى بما تملكه من أسلحة محلية الصنع، وبعدها جاء تفجير حديقة البديع، فهل توقف الإرهاب؟ بل تصاعد، ومن المتوقع أن يتصاعد أكثر فأكثر خلال الفترة المقبلة.
جميع وزارات وأجهزة الدولة لديها القدرات والإمكانات لتنفيذ التوصيات بأسرع وقت ممكن، وهذا ما يطلبه الرأي العام اليوم. البعض يدفعه الحماس ليعتقد أن المتورطين عن الإرهاب سيتم اعتقالهم، وسيتم محاكمتهم، وسيتم إسقاط جنسيتهم، وسيتم ترحيلهم، أو سيتم إعدامهم.. إلخ من السيناريوهات المتعددة والمنتشرة هذه الأيام.
تنفيذ القوانين وتوصيات المجلس الوطني من الممكن أن يتم في 48 ساعة، ولدينا القدرات والسند القانوني لتحقيق ذلك. ولكن ماذا بعد اتخاذ جميع هذه الإجراءات، هل انتهى الإرهاب؟
فالمحرض إذا كان اليوم موجوداً بيننا في البحرين، بإمكانه أن يواصل تحريضه في الخارج، لتقوم خلاياه في الداخل بمواصلة المهمة.
اجتثاث الإرهاب يجب أن يشمل عدة مسارات كما تحدثنا عن ذلك سابقاً، ومنها المسار الأمني، والمسار القانوني، والمسار المالي، وغيرها. ولكن الحلقة المفقودة في عملية اجتثاث الإرهاب هي غياب آليات الوعي السياسي الذي من شأنه أن يحصن المجتمع من الإرهاب، وهي مسؤولية جماعية لا تتحملها وزارة الداخلية فحسب، وإنما كافة وزارات وأجهزة الدولة، وأي فشل لا يعني فشل هذه الوزارة أو تلك، وإنما يعني فشل المجتمع بأكمله في اجتثاث الإرهاب.
وهذا الوعي من الممكن أن يأتي وسائل الإعلام سواءً كانت صحافة، أو حتى الإذاعة والتلفزيون، فليس منطقياً أن يبدأ المجتمع ويتضامن لاجتثاث الإرهاب، ولا توجد برامج إذاعية أو تلفزيونية تحذر المجتمع من الإرهاب، وليس منطقياً أيضاً ألا نرى علماء الدين وخطباء المساجد يتحدثون عن خطورة الإرهاب وضرورة محاربته بدلاً من الحديث عن بعض الأحكام الدينية. وليس منطقياً ألا نرى الجهة المعنية بتطوير الثقافة السياسية بعيدة كل البعد عما يدور في المجتمع وجهود لاجتثاث الإرهاب. وليس منطقياً ألا نرى المدارس تغير مناهجها الدراسية أو تعد برامج موازية لتوعية الشباب بخطورة الإرهاب والانخراط فيه.
هذا المشهد هو ما يدفع بعض المسؤولين للتنصل من مسؤولياتهم، وإلقاء التهم والمسؤولية على وزارة الداخلية لتبرير عدم المسؤولية، فترى المسؤول عندما يتم الحديث عن الإرهاب يقول إن وزارة الداخلية لم تبدأ بعد مهمتها، ولذلك فإنه سيتحرك بعد أن تبدأ هي بالتحرك!
منطق غريب بعيد عن المسؤولية التضامنية والتفويض الشعبي الذي نالته الحكومة لتنفيذ توصيات اجتثاث الإرهاب. لهذا نقول لوزارة الداخلية، وغيرها من الوزارات أنها تتحمل المسؤولية ليست وحدها، فجميع شعب البحرين بمختلف مكوناته معها، وهي مسؤولية جماعية على الجميع القيام بها، ومن واجبنا القيام بها حفظاً للأمن والاستقرار، ومن واجبنا الحفاظ على الدعم لوزارة الداخلية، وغيرها من الأجهزة الحكومية وصولاً لاجتثاث الإرهاب من البلاد.