من مفارقات الزمن الأغبر أن تعقد مجموعة من الإعلاميين ندوتهم في وطنهم، وتنشر فحوى الندوة صحيفتهم الخاصة بهم، ويذكروا في تلك الندوة آراءهم التي يلعنون فيها «سنسفيل» الحكومة، ثم يحكون الوقائع من خلال رواياتهم ووجهة نظرهم وينقلون الحدث من زاويتهم ويسمون الأشياء بمسمياتهم، تلك الروايات التي تنقلوا في كل بقاع الدنيا وحكوها ومن ثم عادوا إلى ديارهم وأكملوها آمنين مطمئنين في أسرتهم متدثرين ملتحفين تحت مكيفهم البراد ينعمون، وتنتهي الندوة وهم الآن في بيوتهم «يدقون مجبوسهم» في سهرة عائلية يتضاحكون ويتمازحون «عليهم ألف عافية». فأغلب المنتدين عوائل مترابطة إما بنسب أو بقرابة، ثم يختمون محاضرتهم بعد كل ندوة بتباكيهم على قمع الحريات وقيودها!!
بعض ممن ينتدي وتتصدر صورته منصة الندوة حصل من الدولة على أسهم في صحيفة خاصة تقدر قيمة تلك الأسهم بعشرات الآلاف من الدنانير دون أن يدفع فلساً واحداً من جيبه، والآن يتصدر طاولة وتصوره صحيفة يتباكى فيها على وضع الصحافة والإعلام.
أي تناقض هذا؟ أية شيزوفرونيا تلك التي يعيشها هؤلاء؟ لقد فقدنا الأمل في شفائهم، فقدنا الأمل في أن يعكسوا المرآة لمرة واحدة وينظروا لوجوههم لا كما يراها الآخرون فحسب بل ليروا حقيقة أنفسهم.
ما حدث في البحرين خيانة لشركاء الوطن، لم يكن ما قمتم به وساهمتم به بالنسبة لشركائكم ثورة إصلاحية، بل كان انقلاباً ونقضاً للعهد الذي جمعكم وإياهم، وكثير منكم لم يكن يغطي الحدث بل كان صانعاً له.
زورت صور وزورت وقائع وقلبت حقائق، لقد صدمنا في كثير منكم صدمة ستأخذ وقتاً لنفيق منها.
ومع ذلك ها أنتم تتحركون وتتنقلون وتنتدون وتراسلون الخارج وفي قلب شركائكم غصة لما آل إليه الحال بينهم وبينكم.
من ظلم منكم أثناء وقف الانقلاب ومنعه نتيجة أية إجراءات أمنية استدعتها ظروف الحفاظ على سلامة الوطن، بإمكانه اللجوء للقضاء ونحن معه لنيله كافة ضمانات الدعوى والشكاية، وإن كان له حق فإننا أيضاً معه لنيله. عدا ذلك فلا «تلبسوا لبوس» الحملان والملائكة وآثار طعنات الكثير منكم مازالت في ظهورنا.
حالة من التناقضات لم نشهد لها مثيلاً تلك التي تعيشها هذه المجموعة إذ وقف في ختام الندوة التي اجتمع فيها مجموعة من الزملاء الإعلاميين يتباكون فيها على القيود وسقف الحريات المتدني، وقف أحد النقابيين الأعزاء ليختم تلك الندوة بمطالبة أجهزة الدولة الرسمية كوزارة الإعلام مثلاً أن تتدخل وتصدر «توجيهاتها» لإعادة موظفين فصلوا من مؤسسات خاصة؟!
هل الأمر انتقائي إلى هذه الدرجة؟.. متى ما أردتم أن ترفع الدولة يدها عن القطاع الخاص ولا تتدخل به، صرختم هذا إعلام مسيس رسمي أو شبه رسمي، ومتى ما أردتم أن تتدخل الدولة ضربتم بندائكم عرض الحائط وطالبتم أن تخضع المؤسسات الخاصة لأجهزة الدولة وتقبل بالوصاية عليها وتفرض عليها موظفيها وكتابها وصحافييها؟
ختاماً لنكن نحن أولاً ستين في سبعين عبدة للدينار ولو أننا.... أممم «خلينا ساكتين أحسن» إلا أننا كنا ننتظر من الثورجية الإصلاحية التقدمية أن يبدوا وجهة نظرهم التقدمية، أن يطرحوا مبادراتهم لا للدولة و أجهزتها فحسب، بل لجماعتهم لمريديهم لقرائهم لمستمعيهم لمشاهديهم، أليسوا قادة رأي؟ فإلى أين قادوا جماعتهم بآرائهم؟!!
أترك لكم الإجابة.