بديهي أن تشعر بالغربة حين تغادر بلدك أول مرّة، لكن المفارقة التي أذهلتني هي أنني شعرت بحرية مضاعفة حين وطئت قدمي أرض الخلود، أرض البحرين العزيزة، كانت تلك زيارتي الأولى لبلد خليجي، كنت أشعر بالتوتر والبهجة خلف روح تتصبب عرقاً وحرّاً حكت عنه زيارات الكثيرين للخليج العربي، في الصورة، كانت الصحراء والغبار والاختناق وصوت أبواق إعلامية عن وضع أمني متوتر ومقلق هي المسيطرة.
وفي الطائرة، كانت اللهفة والشوق والدهشة تهزم الصورة والصوت ليحل محلها بحر أزرق يلوح لي بحب، لوحة سريالية رائعة هي ما رأيته من سماء مملكة دلمون العظيمة، والطائرة تقترب أكثر فأكثر، جزر صغيرة متناثرة، نخيل يتمايل بدلال، ومبان تنافس السماء في السمو والعلو، وصلت ميناء البحرين الجوي ظهيرة يوم أربعاء من أوائل شهر نيسان للمشاركة في الملتقى الرابع للأديبات العربيات والذي عقد في مملكة البحرين هذا العام، حيث كانت في استقبالي كف فلسطينية دافئة لصديق اغترب ليمثل شعبنا أجمل تمثيل في سفارة بلدي هناك، ومعها كان قلب بحريني كبير امتص بابتسامته العريضة ارتباكاً كان يعتريني، فصارت البحرين وطني لمدة ستة أيام وصار شعبها أهلي.
الوطن العربي والذي رسمته في طفولتي وطناً كبيراً شامخاً يجمعنا رغم اختلاف اللهجة واللون والهيئة كان حاضراً بقامات عاليات لنساء أفخر بأنني عربية مثلهن وكفى، كم تجلّت المرأة العربية الأصيلة في ملتقى يستحق انحناءة احترام كبيرة وهو يؤسس بجهود حفيدات صاحب نبتة الخلود وجهود من سبقوهن وفي مقدمتهن الأديبة الكبيرة كوليت خوري والسيدة سلوى الأمين المدير التنفيذي للملتقى وباقة من أديبات هذا الوطن العربي الكبير، لمستقبل أجمل سيكون مادمن هنّ أمهات هذا الجيل رافعات لواء المجد والحرية للأرض والإنسان. وكان اليوم الثاني حين فتحت لنا البحرين ذراعاها في حفل توج بحضور جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وفيه صار المكان بيتاً لعائلة متحابة جميلة، كان الملك فيها الأب الحاني وابتسامته كانت الأمل والأمان.
تتابعت الأيام سريعة وكأنها تبخل عليّ بدهشة لقاء حلمت به كثيراً، فكانت زيارتنا لمدينة المحرّق، وفيها انحنيت لامرأة جعلت من البيوت القديمة وأزقتها أغان وسواعد تحكي ماضياً وتبني مستقبلاً أبهى، إنها وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وها نحن نتجول عبر التاريخ في قلب قلعة البحرين العريقة.. أحجار تسرد لنا بطولات وتاريخاً وأسطورة، تبتسم حوريات البحرين لدهشتنا فتشرق وجوه منظمات الملتقى ويزورك نسيم لطيف من عبق أرواحهن.. ابتساماتهن رغم التعب كانت بلسماً؛ إنها الروائية فوزية رشيد رئيسة الملتقى ورفيقاتها، هؤلاء النسوة واللاتي استحققن لقب حاملات راية الوعي النسوي العربي، صفقنا طويلاً لجهودهن وصفقنا أكثر لوعي وحس وطني يرتدينه بجدارة.
في بيت عبق بابتسامة ود وترحيب وقلوب صافية كان اللقاء مع نسائم فلسطين وكل الوطن العربي بدعوة كريمة وجهها لنا سعادة سفير فلسطين في البحرين والسيدة عقيلته، وهناك كانت الكوفية ورايات كل الدول العربية ترافقنا روحاً وأغنية ومواويل.
أمسيات شعرية، ندوات أدبية، ولقاءات صحافية، عقدت ونوقشت فيها مشاكل وطرحت حلول وصيغت توصيات، وأنعشت فينا الأمل أن القادم حتماً أجمل. المجلس الأعلى للمرأة بكل كوادره كان بمثابة يد زعزعت قناعة تقليدية لديّ، فلا مساواة هناك بين جنسين؛ بل تكاملاً وفهماً أجمل لعلاقة يتقن فيها كل نصف دوره، صورة جميلة تستحق انحناءة طويلة لاستقبال واع حظينا به هناك من الرجال والنساء معاً في جو من تكامل واع واقعي. لن أستطيع ذكر أسماء من سعدت بلقائهم جميعاً هناك حتى لا يظلم أحد بالسهو والنسيان، ولكنني أقول؛ أديباتنا العربيات لقد مثلتن بلادكن أجمل تمثيل من البحرين إلى عمان والعراق، لبنان والأردن والسعودية وسوريا والسودان وموريتانيا والكويت والإمارات العربية ومصر وتونس والجزائر والمغرب.
ربما أكون هنا قد تحدثت برومانسية عالية قليلاً، لكن من حظي بزيارة مملكة الحب والخلود مثلي مجبر أن تغلّف روايته بالحقيقة عما شاهده وعايشه هناك من حكاية تستحق أن تروى وبلد يستحق أن يكتب عنه بصدق لا أكثر.

أديبة وكاتبة فلسطينية