تحولت العديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إلى منظمات تدافع عن حقوق أي شخص حتى لو كان مجرماً قاتلاً متطاولاً على القانون، فقط إن كان حراكه هذا موجهاً ضد أنظمة الدول.
يقول لي أحد العاملين في منظمات حقوقية بأن هذه المنظمات صناعة أمريكية، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها، فهي بالأساس «أداة» تستخدم لإزعاج بعض الأنظمة في فترة معينة، ويستفاد من تقاريرها وحراكها في فترات أخرى لبناء قاعدة معلوماتية تمثل «أرضية» يبنى عليها أي تحرك عسكري أو قرارات سياسية مثلما حصل في عديد من مناطق العالم.
وحتى تلبس عديد من هذه المنظمات «عباءة النزاهة» لابد لها وأن «تخربش» حتى وجه الجهة التي وقفت وراء إنشائها ووجودها، بالتالي هناك عشرات التقارير بشأن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وعلى بريطانيا وبحق كثير من الدول الأوروبية المتقدمة، والحقيقة الهامة هنا بأن هذه التقارير ليست ذات تأثير خطير بمكان يجعلها سبباً في تغيير أنظمة وإسقاط دول، إلا حينما تقرر قوى عظمى أن تستخدمها كذريعة ومبرر، طبعاً الاستخدام لا يكون بطريقة «جلد الذات»، أي هذه الدول لا تكترث بما يكتب عنها لكن بما يكتب عن غيرها، وإلا لكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول التي تضررت جراء انتهاكات حقوق الإنسان، لا تنسوا أن أمريكا الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي لإزهاق أرواح آلاف اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
من يضيع الكثير من وقته في محاولة لكسب تأييد هذه الجمعيات وفي مساعي «استنطاقها» بما هو أقلها «كلمة حق» أو أن تتمثل بدور «حيادي» و»عادل»، فهو ينسى أهم المبادئ الموجودة أصلاً في النظام الأساسي لهذه الجمعيات، فهي لم تنشأ حتى «تنصف» أو تتعامل بـ»حيادية» مع الأنظمة والدولة، هي تحدد إطار عملها في «رصد» و»انتقاد» كل شيء يستهدف هذه «الأنظمة»، بالتالي لا يهمها إن كانت الأنظمة تراعي حقوق الإنسان مع المحكومين في قضايا مختلفة، ولا يهمها إن حولت الدول السجون إلى فنادق «خمس نجوم»، ولا يعنيها الإشارة إلى أن هنالك أنظمة حريصة على التعامل بأسلوب إنساني متقدم مع أي متهم أو محكوم، كل ما يعنيها هو ما يسجل «ضد» هذه الأنظمة والدول.
هناك منظمات حقوقية معروفة تدار بالمال السياسي، رغم أنها تعلن استقلاليتها بشأن الموارد المالية وأنها لا تقبل منحاً مالية من أنظمة، لكن البحث في وضع كثير من المنظمات الأمريكية يقود للتساؤل بشأن المبالغ التي تمنح لمن يريد إنشاء تنظيمات معنية بحقوق الإنسان وغيرها، من أين مصدرها ولماذا تمنح؟!
اسألوا بعض الذين شاركوا في البرنامج الأمريكي الديمقراطي المعني بالطاقات الشبابية، اسألوهم ما هي العروض التي كانت متاحة لهم من قبل القائمين على البرنامج الأمريكي لإنشاء منظمات أو مكاتب معنية بالتغيير والعمل الحقوقي. اسألوهم عن مبلغ الدعم الأول الذي يمكن أن يمنح بناء على مقترح «مهلهل» مكتوب على ورقتين بيضاء. أقلها 100 ألف دولار للبدء. من يدفع هذا المال، ولماذا؟!
إن كانت «هيومن رايتس ووتش» وغيرها من المنظمات تصدر تقاريرها على الولايات المتحدة نفسها وبشكل دوري، فالسؤال المهم هنا عن طريقة تعامل النظام الأمريكي مع هذه التقارير ومدى تأثيرها عليه. الإجابة وباختصار هي: لا شيء، ودع من ينعق ينعق!
لو كان الإجرام الذي حصل ومستوى التعذيب الذي تم توثيقه في قاعدة باجرام وسجن أبوغريب ومعتقل جوانتانامو يضاف إليها فظائع حرب فيتنام والجريمة الإنسانية الكبرى بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي في 1945 خلال الحرب العالمية الثانية، لو كانت كل هذه الفظائع مرتكبة من نظام آخر غير النظام الأمريكي لكانت تقارير جمعيات حقوق الإنسان لها تأثير ووقع قوي، لأن الذي سيتحرك بناء عليها هو صاحب القوى العسكرية والنفوذ السياسي.
تقارير حقوق الإنسان على الولايات المتحدة وإيران والصين وحتى العديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية كلها تقارير أخطر وأكبر من التقارير «المدفوعة» التي تصدرها ضد البحرين، لكن الفارق يكمن في التعامل معها، والمعادلة تقول إنه كلما أعطيت هذه المنظمات حجماً أكبر من حجمها، ومثلما نقول بالبحريني «عطيتهم وجه» سيزيد حراكهم عليك لأنهم سيعرفون مدى تأثرك بما ينشرون ويكتبون، لكن حينما تعطيهم واشنطن وطهران وبكين «أذن الطين والعجين» فهي تعيدهم لحجمهم الحقيقي، بالأخص الأمريكان الذين يعرفون تماماً كيف «يلوون» ذراع أي منظمة تدعي أنها مستقلة في ميزانيتها ومصروفاتها.
أعرف أشخاصاً يعملون في مثل هذه الجمعيات، المبدأ السائد لديهم لا يقوم على الدفاع عن حقوق الإنسان ولا المبادئ والقيم، بل المبدأ هو مساندة أي شخص يقف ضد نظام ودولة حتى لو كان مجرماً وقاتلاً وعنصرياً، والمبدأ الذي يسبق ذلك كله هو اتباع الخط المرسوم والمحدد من صاحب «التمويل» وصاحب «الفضل» في قيام مثل هذه المنظمات اللاربحية والتي لا تقبل الدعم المالي!
بالتالي مصدر التمويل له كل الحق في أن يكون صاحب اليد الطولى في تحديد توجه هذه «الأدوات»، فهي بالنسبة له في النهاية أدوات لا أكثر ولا أقل!
{{ article.visit_count }}
يقول لي أحد العاملين في منظمات حقوقية بأن هذه المنظمات صناعة أمريكية، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها، فهي بالأساس «أداة» تستخدم لإزعاج بعض الأنظمة في فترة معينة، ويستفاد من تقاريرها وحراكها في فترات أخرى لبناء قاعدة معلوماتية تمثل «أرضية» يبنى عليها أي تحرك عسكري أو قرارات سياسية مثلما حصل في عديد من مناطق العالم.
وحتى تلبس عديد من هذه المنظمات «عباءة النزاهة» لابد لها وأن «تخربش» حتى وجه الجهة التي وقفت وراء إنشائها ووجودها، بالتالي هناك عشرات التقارير بشأن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وعلى بريطانيا وبحق كثير من الدول الأوروبية المتقدمة، والحقيقة الهامة هنا بأن هذه التقارير ليست ذات تأثير خطير بمكان يجعلها سبباً في تغيير أنظمة وإسقاط دول، إلا حينما تقرر قوى عظمى أن تستخدمها كذريعة ومبرر، طبعاً الاستخدام لا يكون بطريقة «جلد الذات»، أي هذه الدول لا تكترث بما يكتب عنها لكن بما يكتب عن غيرها، وإلا لكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول التي تضررت جراء انتهاكات حقوق الإنسان، لا تنسوا أن أمريكا الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي لإزهاق أرواح آلاف اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
من يضيع الكثير من وقته في محاولة لكسب تأييد هذه الجمعيات وفي مساعي «استنطاقها» بما هو أقلها «كلمة حق» أو أن تتمثل بدور «حيادي» و»عادل»، فهو ينسى أهم المبادئ الموجودة أصلاً في النظام الأساسي لهذه الجمعيات، فهي لم تنشأ حتى «تنصف» أو تتعامل بـ»حيادية» مع الأنظمة والدولة، هي تحدد إطار عملها في «رصد» و»انتقاد» كل شيء يستهدف هذه «الأنظمة»، بالتالي لا يهمها إن كانت الأنظمة تراعي حقوق الإنسان مع المحكومين في قضايا مختلفة، ولا يهمها إن حولت الدول السجون إلى فنادق «خمس نجوم»، ولا يعنيها الإشارة إلى أن هنالك أنظمة حريصة على التعامل بأسلوب إنساني متقدم مع أي متهم أو محكوم، كل ما يعنيها هو ما يسجل «ضد» هذه الأنظمة والدول.
هناك منظمات حقوقية معروفة تدار بالمال السياسي، رغم أنها تعلن استقلاليتها بشأن الموارد المالية وأنها لا تقبل منحاً مالية من أنظمة، لكن البحث في وضع كثير من المنظمات الأمريكية يقود للتساؤل بشأن المبالغ التي تمنح لمن يريد إنشاء تنظيمات معنية بحقوق الإنسان وغيرها، من أين مصدرها ولماذا تمنح؟!
اسألوا بعض الذين شاركوا في البرنامج الأمريكي الديمقراطي المعني بالطاقات الشبابية، اسألوهم ما هي العروض التي كانت متاحة لهم من قبل القائمين على البرنامج الأمريكي لإنشاء منظمات أو مكاتب معنية بالتغيير والعمل الحقوقي. اسألوهم عن مبلغ الدعم الأول الذي يمكن أن يمنح بناء على مقترح «مهلهل» مكتوب على ورقتين بيضاء. أقلها 100 ألف دولار للبدء. من يدفع هذا المال، ولماذا؟!
إن كانت «هيومن رايتس ووتش» وغيرها من المنظمات تصدر تقاريرها على الولايات المتحدة نفسها وبشكل دوري، فالسؤال المهم هنا عن طريقة تعامل النظام الأمريكي مع هذه التقارير ومدى تأثيرها عليه. الإجابة وباختصار هي: لا شيء، ودع من ينعق ينعق!
لو كان الإجرام الذي حصل ومستوى التعذيب الذي تم توثيقه في قاعدة باجرام وسجن أبوغريب ومعتقل جوانتانامو يضاف إليها فظائع حرب فيتنام والجريمة الإنسانية الكبرى بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي في 1945 خلال الحرب العالمية الثانية، لو كانت كل هذه الفظائع مرتكبة من نظام آخر غير النظام الأمريكي لكانت تقارير جمعيات حقوق الإنسان لها تأثير ووقع قوي، لأن الذي سيتحرك بناء عليها هو صاحب القوى العسكرية والنفوذ السياسي.
تقارير حقوق الإنسان على الولايات المتحدة وإيران والصين وحتى العديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية كلها تقارير أخطر وأكبر من التقارير «المدفوعة» التي تصدرها ضد البحرين، لكن الفارق يكمن في التعامل معها، والمعادلة تقول إنه كلما أعطيت هذه المنظمات حجماً أكبر من حجمها، ومثلما نقول بالبحريني «عطيتهم وجه» سيزيد حراكهم عليك لأنهم سيعرفون مدى تأثرك بما ينشرون ويكتبون، لكن حينما تعطيهم واشنطن وطهران وبكين «أذن الطين والعجين» فهي تعيدهم لحجمهم الحقيقي، بالأخص الأمريكان الذين يعرفون تماماً كيف «يلوون» ذراع أي منظمة تدعي أنها مستقلة في ميزانيتها ومصروفاتها.
أعرف أشخاصاً يعملون في مثل هذه الجمعيات، المبدأ السائد لديهم لا يقوم على الدفاع عن حقوق الإنسان ولا المبادئ والقيم، بل المبدأ هو مساندة أي شخص يقف ضد نظام ودولة حتى لو كان مجرماً وقاتلاً وعنصرياً، والمبدأ الذي يسبق ذلك كله هو اتباع الخط المرسوم والمحدد من صاحب «التمويل» وصاحب «الفضل» في قيام مثل هذه المنظمات اللاربحية والتي لا تقبل الدعم المالي!
بالتالي مصدر التمويل له كل الحق في أن يكون صاحب اليد الطولى في تحديد توجه هذه «الأدوات»، فهي بالنسبة له في النهاية أدوات لا أكثر ولا أقل!