نبدأ من الحديث الصحافي المهم جداً لقائد قوة دفاع البحرين والذي نشرته الصحافة الخليجية أمس، عندما أشار إلى أن إرسال قوات خليجية أو عربية يمنع حرباً إقليمية في سوريا. فهل يفهم من هذا التصريح أن هناك حاجة استراتيجية للشروع في تورط عسكري خليجي على الأراضي السورية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، من المهم استذكار الدرس التاريخي القاسي الذي تعرّضت له دول مجلس التعاون في العام 2003 عندما تعاملت بدبلوماسية مفرطة في الغزو الأمريكي للعراق، وذلك حرصاً منها على عدم التورط المباشر في أي مغامرة عسكرية يمكن أن تؤثر على مستقبل التوازنات الإقليمية في المنطقة مع غياب الرؤية بشأن مستقبل النظام السياسي العراقي آنذاك.
كانت نتيجة هذا التعاطي الخليجي ملء الفراغ السياسي في العراق بقوى سياسية أكثر ميلاً لطهران، حتى صارت للأخيرة اليد الطولى في التحكم بتفاعلات النظام السياسي العراقي استمرت نحو عقد من الزمن، وكانت بلاشك مكلفة للغاية لدول مجلس التعاون الخليجي حيث امتد النفوذ الإيراني إلى الحدود الخليجية بعد أن كانت الأراضي العراقية حائط صد لهذا النفوذ.
لو كان السيناريو في العراق مختلفاً بمعنى دخول قوات عسكرية خليجية آنذاك لإسقاط النظام، والمشاركة بشكل مباشر في الترتيب لمرحلة ما بعد الغزو، ما كان العراق على ما هو عليه اليوم.
بنفس المعطيات يتكرر السيناريو في سوريا، أربع قوى في محور واحد (دمشق، وطهران، وبغداد، وحزب الله) تحاول الحفاظ على نظام الأسد الراديكالي، وما يدفع إلى ذلك خشيتها من اختلال موازين القوى في غرب منطقة الشرق الأوسط وفقاً لنظرية الدومينو في العلاقات الدولية، فسقوط نظام الأسد لن يكون وحده، وإنما بداية لسلسلة متوالية ستزعزع أو تطيح القوى الأخرى في المحور نفسه.
لذلك فإن التدخل المباشر سواءً كان عسكرياً أم غير ذلك سيكون في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي قبل أن يكون في مصلحة الشعب السوري نفسه. فالحاجة ليست مرتبطة بالتمويل، وإنما حتى بالضغط السياسي أو الحصار العسكري أو الاقتصادي. بحيث يتغيّر أسلوب التعاطي مع الأزمة السورية.
أسلوب تعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع تطورات الأزمة السورية يشبه كثيراً الأسلوب الذي اعتمدته السياسة الخارجية لهذه الدول خلال فترة الثمانينات عندما غزا الاتحاد السوفييتي الأراضي الأفغانية، حيث تم السماح للمجاهدين بالتدفق إلى هناك، وانهمكت دول المجلس بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني.
ولا أعتقد أن هذا الأسلوب التقليدي بات مجدياً للتعامل مع الأزمة السورية لأنها أخطر بكثير من أي أزمة أخرى شهدتها منطقة الشرق الأوسط، لأننا لا نتحدث عن غزو أجنبي للدول العربية، وإنما صراع عميق وحاد بين الدول العربية نفسها بعضها بعضاً بتدخل إيراني مباشر. وليس منطقياً استمرار الصراع بمعطياته الراهنة، ويجب تغييرها فوراً قبل أن يتأخر الوقت.