من لا يتذكر المحاربين القدامى في البحرين وهم يجلسون وقت الضحى وبعد العصر، يتناولون آخر المستجدات السياسية على الساحة العربية والدولية، عبر مذياع كبير ينقل لهم آخر أخبار الحرب العالمية، وما تلتها من أحداث مهمة غيرت مسار التاريخ العربي الحديث، وتحديداً إبان المد القومي والناصري آنذاك؟.
من لا يتذكر المحاربين القدامى وهم يستمعون أحلى وأعذب الأنغام والأغاني والمواويل الشعبية بعد عودتهم من رحلات الصيد البحرية الشاقة، وهم جلوس على دكة كراسي تلك المقاهي العتيقة يستمعون للفن الجميل، وهم يثرثرون حول الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر، ويتناقشون حول أسباب النكبة وحرب أكتوبر وسقوط خط بارليف.
لم تكن «القهاوي» البحرينية القديمة مجرد أماكن جامدة لشرب الشاي، بل كانت عبارة عن دواوين للسياسة والأدب والفن والحب، فكان رواد المقاهي من الرجال الذين تشبعوا وتشربوا الوعي الوطني والعروبي في منتصف القرن الماضي، أي قبل أن تفتح الكثير من الدول العربية أعينها على العصر، في ذلك الوقت كان البحريني يعرف من هي جولدا مائير ومن هو تشرشل، وكان يعرف الكثير عن النكبة وعن الاستعمار وعن كل حركات التحرر والمقاومة في الوطن العربي.
لم تكن المقاهي للضحك والعبث؛ بل كانت محطة لتناول ما هو جديد، فالمذياع لم يكن يهدأ في «القهاوي» الشعبية، ولم يكن الرجال يسكنون أو تغفوا أعينهم حين يستمعون لإذاعة العرب أو مونت كارلو لبث آخر مستجدات العالم.
في ركن آخر من تلك المقاهي كان بعض المثقفين يناقشون العقاد وطه حسين والطهطاوي وقاسم أمين، بينما البعض يتحدث عن أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، بينما هناك من شبابهم من يبدي ملاحظته النقدية حول إسماعيل ياسين وسراج منير وزكي رستم وفردوس محمد.
في تلك القهاوي / المدارس لا تستطيع أن تميز بين ملل الناس ونحلهم، ومن الصعب أن تكتشف هويتهم الدينية والمذهبية، فالبحرين كانت في خاصرتهم، والمنامة والمحرق كانتا في رحم الذاكرة والعقل الجمعي لذلك الرعيل العظيم، ومن هنا تزاوجوا وتصاهروا ولم يكن يعرف كل منهم بعد ذلك سوى الوطن.
من الضروري أن تنتعش ذاكرة الحب عبر «القهاوي» الشعبية التي تبقى القليل منها، ومن المهم أن ترمم ذاكرتها بذات السياق الوطني والعروبي الذي انتهت من خلاله قبل أكثر من 35 عاماً من اليوم.
ما حدا بي للحديث عن هذه «القهاوي» الشعبية ما تحاوله وزيرة الثقافة من إحياء المقاهي الشعبية في البحرين بنمطها القديم، ونحن على ثقة كاملة بمقدرتها على هذا الأمر، لكن السؤال المطروح؛ هل ستجد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ومعها كل العاملين في الحقل الثقافي والوطني بعد ترميم المقاهي الشعبية في كل أرجاء البحرين هؤلاء الرجال الذين تحدثنا عنهم في الأسطر السابقة؟ هذا هو التحدي الحقيقي لنجاح مشروع «القهاوي».
{{ article.visit_count }}
من لا يتذكر المحاربين القدامى وهم يستمعون أحلى وأعذب الأنغام والأغاني والمواويل الشعبية بعد عودتهم من رحلات الصيد البحرية الشاقة، وهم جلوس على دكة كراسي تلك المقاهي العتيقة يستمعون للفن الجميل، وهم يثرثرون حول الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر، ويتناقشون حول أسباب النكبة وحرب أكتوبر وسقوط خط بارليف.
لم تكن «القهاوي» البحرينية القديمة مجرد أماكن جامدة لشرب الشاي، بل كانت عبارة عن دواوين للسياسة والأدب والفن والحب، فكان رواد المقاهي من الرجال الذين تشبعوا وتشربوا الوعي الوطني والعروبي في منتصف القرن الماضي، أي قبل أن تفتح الكثير من الدول العربية أعينها على العصر، في ذلك الوقت كان البحريني يعرف من هي جولدا مائير ومن هو تشرشل، وكان يعرف الكثير عن النكبة وعن الاستعمار وعن كل حركات التحرر والمقاومة في الوطن العربي.
لم تكن المقاهي للضحك والعبث؛ بل كانت محطة لتناول ما هو جديد، فالمذياع لم يكن يهدأ في «القهاوي» الشعبية، ولم يكن الرجال يسكنون أو تغفوا أعينهم حين يستمعون لإذاعة العرب أو مونت كارلو لبث آخر مستجدات العالم.
في ركن آخر من تلك المقاهي كان بعض المثقفين يناقشون العقاد وطه حسين والطهطاوي وقاسم أمين، بينما البعض يتحدث عن أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، بينما هناك من شبابهم من يبدي ملاحظته النقدية حول إسماعيل ياسين وسراج منير وزكي رستم وفردوس محمد.
في تلك القهاوي / المدارس لا تستطيع أن تميز بين ملل الناس ونحلهم، ومن الصعب أن تكتشف هويتهم الدينية والمذهبية، فالبحرين كانت في خاصرتهم، والمنامة والمحرق كانتا في رحم الذاكرة والعقل الجمعي لذلك الرعيل العظيم، ومن هنا تزاوجوا وتصاهروا ولم يكن يعرف كل منهم بعد ذلك سوى الوطن.
من الضروري أن تنتعش ذاكرة الحب عبر «القهاوي» الشعبية التي تبقى القليل منها، ومن المهم أن ترمم ذاكرتها بذات السياق الوطني والعروبي الذي انتهت من خلاله قبل أكثر من 35 عاماً من اليوم.
ما حدا بي للحديث عن هذه «القهاوي» الشعبية ما تحاوله وزيرة الثقافة من إحياء المقاهي الشعبية في البحرين بنمطها القديم، ونحن على ثقة كاملة بمقدرتها على هذا الأمر، لكن السؤال المطروح؛ هل ستجد الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ومعها كل العاملين في الحقل الثقافي والوطني بعد ترميم المقاهي الشعبية في كل أرجاء البحرين هؤلاء الرجال الذين تحدثنا عنهم في الأسطر السابقة؟ هذا هو التحدي الحقيقي لنجاح مشروع «القهاوي».