ربما غالبية الدول الشرقية ومعها شعوبها دائماً ما يسخرون من مقومات إرثهم الثقافي، لأن المستوى المتدني لنا في مقارعة الدول الغربية بإنجازاتها، وانبهارنا الكبير بحضارتهم المدنية، جعلنا نستحقر الكثير من تاريخنا التراثي، لأنه يعتبر نكتة سمجة في ظل العمران الساحق لكل ما هو قديم.
هذه هي نظرتنا التي تلازمنا في إلقاء اللوم على تراثنا الحضاري حين نبدأ حديثنا عن التقدم والتطور، وكأن ذنبنا الوحيد الذي جعلنا نقبع خلف الركب العالمي، هو أننا تمسكنا بتراثنا وأصالتنا، وفي النهاية تركنا هويتنا وتراثنا ومع ذلك لم نلحق بالغرب!.
هذا يدل على أن التطور الحضاري لا علاقة له بالتخلي عن الثوابت التاريخية والموروثات الثقافية والقيم التراثية، بل هناك اليوم من يؤكد لنا من رواد النهضة الحديثة، إن رهان التطور عادة ما يكون ملازماً حقيقياً بتمسكنا بتراثنا، وهذا هو الأصل في الفكرة كلها.
قبل أيام معدودات وعلى هامش افتتاح مهرجان التراث الحادي والعشرين، ومن أمام باب البحرين، تحدثت مع السفير الصيني لدى البحرين السيد «لي تشن» عن أهمية النهضة الحديثة في ظل الاهتمام بالتراث القومي والوطني، وعما يراه شخصياً من الاهتمام البالغ من قبل وزارة الثقافة بالتراث البحريني، وعن رأيه في مهرجانات باب البحرين وغيرها من المهرجانات التي تعنى بالتراث الوطني، خصوصاً أنه يمثل دولة عظمى في وقتنا الرهن، فقال لي: إن ما نراه اليوم في البحرين من فعاليات ومهرجانات يعتبر أمراً في غاية الجمال، ونحن في غاية الإعجاب بتراثكم، فكل بلد يريد أن ينهض، لابد له أن يحيي تراثه الذي يمثل وعيه وتاريخه وحضارته، ومن هنا يجب على كل الدول أن تهتم بتراثها حتى تستطيع التقدم والازدهار. فنحن في الصين تطورنا لأننا تمسكنا بتراثنا وقيمنا العريقة، ومملكة البحرين سوف تتقدم حتماً، لأنها تهتم بتراثها بطريقة علمية ومثالية، وهذا الأمر من أبرز المقومات المهمة لبناء الدولة الحديثة.
هذا ما قاله السفير الصيني حول ضرورة إحياء التراث الحقيقي للبحرين التي تعاقبت عليها الحضارات القديمة منذ آلآف السنين، بل يؤكد السفير الصيني أن مملكة البحرين تمتلك عناصر ثقافية في غاية الأهمية، لأنْ تكون قبلة للسائحين من كل أصقاع الأرض، وما علينا اليوم سوى أن نحيي هذا التراث الحضاري الكبير بطريقة مميزة.
أتذكر جيداً وقبل حوالي أكثر من 20 عاماً قرأت عبارة للكاتب والمؤرخ والباحث المصري الكبير صلاح عيسى في مجلة العربي الكويتية يقول فيها «في الوقت الذي يفتش فيه الغرب عن تاريخ له يضعهُ على خارطة الحضارات البشرية العريقة، يقوم العرب بالتخلي عن تاريخهم وتراثهم»، في الوقت الذي يتحدث السفير الصيني عن أهمية التراث كي ننهض، يتحدث العرب عن أهمية الماكِينات والمصانع والعمارات الإسمنتية، وفي النهاية كل يتحدث عمَّا يفقده، ولكن يظل الأذكى في استثمار مشاريع استرداد المفقود من الوعي الإنساني والحضاري، هو البطل الحقيقي في نهاية معركة الحياة.