تمتلئ مواقع التواصــل الاجتماعــي كثيــراً بتغريدات عن أوضاع بعض المحكوم عليهم بالسجن والمحتجزين، ويتم تقديم الكثير من المعلومات عنهم بطريقة يعتقد معها المتلقي أن سجون البحرين مبنية من زجاج شفاف يتيح للمرء مشاهدة كل ما يدور فيها بالتفاصيل المملة أو أنها تحتوي كاميرات تكشف أحوال المتواجدين فيها على طريقة برنامج الأخ الأكبر الذي يصور المشاركين فيها حتى وهم نائمون، فما يكتب عن أحوال السجناء ويتم تداوله يوحي أن كاتبيه موجودون معهم أو يرونهم في كل لحظة ويرون ما يحدث لهم وما يدور من حديث بينهم وبين المعنيين في السجون حتى لو كانوا في غرف منفردة !
في الأيام الأخيرة انتشرت أخبار تم ترويجها على أنها مؤكدة مفادها أن فلاناً وعلاناً من المحكوم عليهم بالسجن يتعرضون للتعذيب الشديد وأنهم الآن يعانون من مجموعة من الأمراض وأن إدارة السجن تمنع عنهم العلاج وترفض نقلهم إلى المستشفى.
من ذلك على سبيل المثال ما تم تداوله عن الحالة الصحية لعبدالوهاب حسين، فما قيل عن حالته ووضعه الصحي أوحى للمتلقي أنه قاب قوسين أو أدنى من الموت، وتم شحن العامة من الناس وإثارتهم حتى وصلوا إلى الحد الذي خرجوا يطالبون فيه بالإفراج الفوري عنه والاطمئنان على صحته ووضعه، بل إن بعضهم باشر باختطاف الشوارع وممارسة اللعبة التي استمرؤوها فأشعل النيران في إطارات السيارات وهاجم رجال الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة والأسياخ والحجارة وعطل حياة الناس وعرضهم للخطر، ثم ليفاجأ الجميع بأن حسين في كامل صحته، حيث شاءت الأقدار أن تفارق والدته الحياة وتتعاطف وزارة الداخلية وإدارة السجن معه وتسمح له بالمشاركة في مراسم دفنها والخروج من السجن لتلقي واجب العزاء فيها على مدى ثلاثة أيام، تبين خلالها أن ما قيل وانتشر من كلام عن وضعه الصحي الحرج لم يكن صحيحا أبداً.
هذا يعني أن كل ما قيل وسيقال عن الأوضاع الصحية للمحكوم عليهم بالسجن أو ما يتعرضون له من «تعذيب» ويعانون من قلة رعاية واهتمام وسلب حقوق بعيد عن الواقع وغير دقيق، وأنه مجرد معلومات يبتغي ناشروها تهييج البسطاء ودفعهم لتنفيذ ما يراد منهم تنفيذه من عمليات تؤذي الحكومة.. والناس أجمعين.
الأخبار التي يتم ترويجها عن المحكوم عليهم بالسجن وبيان أنهم يعانون وأن أنواعاً من الظلم تمارس ضدهم لا تخرج عن أحد أمرين؛ إما أنها من وحي الخيال ويتم نشرها لتحقيق أهداف معينة لا تخفى على العاقل، أو أن العاملين في إدارة السجون «مشاخيل» ينقلون كل ما يجري هناك إلى الخارج بكامل تفاصيله. فإن كان من يقوم بإخراج تلك التفاصيل هم العاملون في السجن من رجال أمن عسكريين ومدنيين فهذا يتطلب من وزارة الداخلية تغييرهم ومحاسبتهم لأنهم في هذه الحالة يعدون من خونة الأمانة، وأما إن كان من وحي خيال مروجي تلك الأخبار فهذا يعني أن على الداخلية أن تضع حداً لهم بالطرق التي تراها مناسبة، لأن ما يروجونه من أخبار عن المحكوم عليهم من شأنه أن يتسبب في الفوضى ويزيد من نسبة التوتر في الشارع.
بعد الحالة الصحية الجيدة التي ظهر فيها عبدالوهاب حسين أيام تواجده لتلقي واجب العزاء في والدته لا يمكن لأي عاقل أن يصدق ما يتم ترويجه من أخبار عن أوضاع المحكوم عليهم بالسجن، عدا أن واقع الحال ومنطقه يؤكدان أنه من غير الممكن أن يغامر العاملون هناك ويسربوا تلك الأخبار وبتلك التفاصيل الدقيقة.
ترى كيف للعالم أن يعرف بتفاصيل ما يدور الساعة بين سجان وسجين ثالثهما رب العالمين؟ إنها إشكالية ينبغي أن تنتبه لها «المعارضة» لأن الاستمرار في هذا الأسلوب يفقدها المصداقية.