الواضح الآن وبعد سنتين من الأحداث المتواصلة هو أن إيصال المواطنين والمقيمين إلى مرحلة يقتنعون فيها أنه لا يمكنهم الحصول على الهدوء في هذا البلد هو أحد أهداف المخطط المعتمد لدى من لا يريد الخير لهذا البلد الخليجي العربي. فمنذ اليوم الأول لدخول ما سمي عنوة بأنه ثورة عامها الثالث لم يشهد الناس يوماً هادئاً، وشهدوا بدلاً من ذلك برامج فوضى تتكرر، ولكن بعناوين مختلفة. فالمكلفون بإحداث الفوضى لا يعدمون حجة لتأليب البسطاء ضد الحكم ويوجدون لكل تحرك سبباً، فالخروج في مظاهرة اليوم تضامناً مع فلان، وقطع الشوارع بإشعال النار في إطارات السيارات غداً احتجاجاً على ما حصل لعلان، ورمي مركز شرطة بزجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة اليوم وغداً رداً على أي فعل للحكومة وإن كان طيباً وجميلاً! فالمهم هو توفير سبب لإحداث الفوضى وإفهام المواطنين والمقيمين أن عليهم ألا يحلموا بعودة الهدوء ما لم تتحقق «المطالب».
كان الشيخ عيسى قاسم قد أوصى قبل أيام بالاستمرار في العمل لتحقيق المطالب، والمطالب إن لم تتغير لا يقف أحد ضدها، فليس من أحد لا يريد الخير للناس وليس من أحد لا يريد لحياة المواطنين أن تتطور، وهذا يشمل الحكومة والقيادة اللتين تؤيدان كل مطلب للمواطنين يسهم في تحسين حياتهم، أليست مهمتهما تحسين حياة المواطنين والارتقاء بها؟
لا أحد في البحرين يقف ضد المطالب العادلة للمواطنين، ومن حق المواطنين أن يطالبوا بما يؤدي إلى تحسين حياتهم وإثرائها ويؤمن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ومن واجب الدولة مساعدتهم على تحقيق كل ذلك؛ فهذا دورها ولا تتنكر له أو تتقاعس عنه، لكن ليس من عاقل يقبل اتخاذ العنف سبيلاً لتحقيق تلك المطالب، وليس من عاقل يصدق أن ما يجري في الساحة من فوضى عنوانه السلمية، فما يحدث في البحرين يومياً لا يعبر عن السلمية التي أوصى بها الشيخ قاسم أخيراً.. أيضاً.
ما حدث قبل أيام في سترة، وتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي في فيديو قصير، يبين هجوم مجموعة من «الأطفال» على مركز الشرطة ويرمون رجال الأمن بزجاجات المولوتوف، دون أي اعتبار حتى للسيارات التي تمر في المكان ولمن فيها، لا يعبر عن السلمية التي يتخذونها عنواناً لحراكهم، وما حدث في الدراز من مواجهات قبل أيام أيضا نتيجة طيش البعض وخروجهم عن هدف التجمع أو الاعتصام لا يمكن تصنيفه في باب السلمية، ذلك أن للسلمية وجوهاً أخرى لا يمكن لهذه الأعمال أن تعبر عنها وتحمل عنوانها.
لا أحد في البحرين ضد المطالب العادلة التي يراد منها تحسين حياة المواطن البحريني، فهذه مطالب حكومية أيضاً، فالحكومة أيضاً تريد تحقيق هذا الأمر لأنه واجبها، ولكن لا يمكن للحكومة أن تقبل المنطق الذي تعبر به «المعارضة» عن تلك المطالب. فالمطالب إن لم تقدم بـ «خط حسن» لا يستجاب لها، حيث الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، كما هو مشهور عن الإمام علي بن أبي طالب.
ما يجري يومياً في البحرين لا علاقة وثيقة له بالمطالب التي وإن اختلف على تفاصيلها لا يختلف على عناوينها، ما يجري في البحرين يراد منه القول إن الاستقرار في ظل هذه الحكومة مفقود ويراد منه القول إن «الشعب» كله يقف ضد الحكومة، وإن الحكومة لا تهتم بمطالب المواطنين، وإنها سبب كل هذا الذي يحصل، ويراد منه القول كذلك إنه إذا أراد الناس عودة الهدوء للبحرين فعليهم أن ينضموا إلى «الثورة» وإلا فإنهم يحلمون حيث الهدوء لا يمكن أن يحل في البلاد طالما أن المخطط ظل معطلاً!