يمثل البحث العلمي جهداً ويحتاج إلى تفان وخبرة وتعمق في المناهج والأساليب والرؤى. من هنا كان اهتمامي بباكورة إصدارات مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة، وتمثل هذه الباكورة دراسات تناولت قضايا ثلاث بالغة الأهمية وهي «الطاقة، «الأمن الوطني الإقليمي»، و«الخليج العربي وأبعاد التسمية»، هذه القضايا تنبع أهميتها في أنها أساس البناء السياسي لأية دولة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لارتباطاتها بالإستراتيجية الخاصة لمملكة البحرين ومجلس التعاون بصورة مباشرة، ومن ثم يعتبر هذا الإنتاج ذا أهمية لصاحب القرار في البحرين وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولن نتناول تفصيلاً هذه الدراسات لضيق مساحة المقال، لكن نعرض بإيجاز لمجموعة من الملاحظات ذات الطبيعة العامة للفت نظر القارئ والباحث المتخصص لهذا الإنتاج العلمي. الأولى؛ ما يتعلق بقضية الطاقة التي هي أساس الاقتصاد العالمي وأساس الاقتصاد الخليجي، سواء لأنه يعد مصدراً رئيساً للطاقة «النفط والغاز الطبيعي» أو حتى الطاقة الجديدة والمتجددة وبخاصة الطاقة الشمسية والنفط الصخري، وتضمنت هذه الدراسة التي أعدها الأستاذ لهب عبدالوهاب عرضاً رائداً بالنسبة للبحث العلمي في البحرين في هذا المجال، وقد سبق وتناولت هذه الدراسة تفصيلاً في مقال مستقل. الثانية؛ قضية تسمية الخليج، وهي من أعقد القضايا لاعتبارين أولهما إصرار إيران على تسمية الخليج بـ»الفارسي»، بل اصراراها على تسمية مجلس التعاون بأنه مجلس التعاون لدول الخليج «الفارسي»، وهذا يجافي المنطق والواقع ولا يلتزم بأبسط مبادئ العلم، فإذا كانت تسمية الخليج موضع نقاش لاختلاف التسميات عبر التاريخ؛ فإن تسمية دولة لنفسها أو مجموعة دول أو تنظيم إقليمي لنفسه لا يجوز لدولة أخرى أن تغير التسمية وإلا أدى ذلك لاختلاط الأمور.أما الناحية الأخرى في أهمية البحث المعنون «الخليج العربي وأبعاد التسمية»؛ إذ أنه يقدم بحثاً تاريخياً في تطور التسمية، ويربط بين التسمية وهوية المنطقة، كما يربط بين التسمية ومراحل التطور التاريخي منذ العصور القديمة حتى الآن. وينبغي ان نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن التسميات الجغرافية ذات الطابع الاستراتيجي تغيرت عبر العصور، فالبحر المتوسط تغير اسمه عدة مرات، كذلك الدول غيرت أسماءها مرات عديدة، ومن ثم فإنه إذا كان الخليج العربي أطلق عليه في مرحلة تاريخية معينة اسم الخليج الفارسي؛ إلا أن دولة فارس اختفت ولم يعد لها وجود، بينما قامت دول عربية على ضفاف الخليج، وهي دول ذات مكانة استراتيجية متزايدة، وذات هوية واضحة ومتميزة، ومن ثم فان المنطق يقتضي تغيير الأسماء.من ناحية أخرى ثالثة فإننا نجد أن بعض التسميات الجغرافية ما زالت موضع خلاف بين الدارسين والدول؛ سواءً في المنطقة العربية او شرق اسيا او جنوب المحيط الهادئ، ولعلنا نتذكر حرب الفوكلاند بين بريطانيا في عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، وبين الأرجنتين التي تطلق على تلك الجزر اسم «مالفيناس»، وهذه الحرب عكست التراث الاستعماري للإمبراطورية العجوز، ولعل ما تتعرض له تسمية الخليج العربي من تشكيك يعكس نفس العقلية القديمة وطموحاتها. من هنا تعد دراسة الدكتور بشير زين العابدين دراسة مهمة لأنها توثق لهذا المسطح المائي وتسميته عبر القرون، ومن الأهمية بمكان إرسال هذه الدراسة للأمم المتحدة ومراكز الأبحاث العالمية، وعقد ندوة أو ندوات خاصة حولها لما تقدمه من رؤية بحثية متميزة، وإنني أدعو مركز الدراسات ومجلس التعاون لدول الخليج العربي للاهتمام الواجب بها، لأنها تربط بين الخليج والهوية والتاريخ في مرحلة دقيقة من تطور المنطقة والمطامع والتهديدات المحيطة بها. الثالثة؛ الكتاب المتضمن مجموعة بحوث تتعلق بالأمن الوطني والإقليمي، وقد ضم الكتاب حشداً من الأسماء الكبيرة في عالم الفكر والبحث العلمي والرؤى السياسية الإستراتيجية، وتناولت البحوث «التحديات الأمنية الإقليمية» للأمير تركي الفيصل، و»أمن الخليج العربي في ظل المتغيرات الدولية» للدكتور محمد جابر الانصاري، و»الأهداف الإستراتيجية لدول مجلس التعاون» للدكتور عبدالطيف الزياني، و»مهددات امن منطقة الخليج» للفريق ضاحي خلفان، و»امن الخليج العربي» لعبدالله بشارة، و»الاستراتيجية الإقليمية والدولية لأمن الخليج» للدكتور محمد عبدالغفار، و»الإعلام ومواجهة تهديدات الأمن الوطني والإقليمي» للدكتور عدنان بومطيع، و»إستراتيجية الأمن الإقليمي» للدكتور عبدالعزيز بن صقر، و»التخطيط الاستراتيجي» للدكتور ماجد عشقي. ولعل أبرز ما يميز هذه الأوراق البحثية أن مؤلفيها جميعاً من أبناء دول مجلس التعاون، ولهم باع طويل في البحث العلمي والمساهمات في المحافل والمؤتمرات الدولية، وهذا يعطي للكتاب وزناً ولمضمونه مصداقية كبيرة. الرابعة؛ إنني كباحث يهتم بالقضايا الإستراتيجية عامة، والاستراتيجية الدولية خاصة وأمن الخليج على وجه الخصوص، أجد زاداً فكرياً في هذه الإصدارات الثلاثة، ومن ثم ينبغي تهنئة مركز الدراسات على هذا الإصدار العلمي، ونتطلع للمزيد لأن هذه المنطقة في عين العاصفة في هذه المرحلة، ولذا فمن الضروري على كل مختص في مجاله أن يقدم رؤيته الاستراتيجية لها سواء اقتصادياً أو سياسياً أو فكرياً، وان يتم الاهتمام بمثل هذه الدراسات لأن ذلك هو خير ثروة يتم تقديمها لصانع القرار وأيضاً للأجيال القادمة.
{{ article.visit_count }}
البحث العلمي في الأمن الوطني والإقليمي
البحث العلمي في الأمن الوطني والإقليمي
البحث العلمي في الأمن الوطني والإقليمي