من الطرائف أن أحد الولاة لاحظ أن أغلب المعمرين هم من الفقراء، فطلب إحضار أحدهم إليه، فجيء به وسأله عن سبب بلوغ كثير من الفقراء أعماراً لا يبلغها أغلب الأغنياء، فقال المعمر، وكان حكيماً، إن الله سبحانه وتعالى يقدر لكل مخلوق رزقاً لحظة ولادته فيصير له رصيداً من المال، ويعطيه من رصيده مرة بعد أخرى إلى أن ينتهي، فإن انتهى رصيده مات.
وأضاف؛ أنتم الأغنياء تحصلون دائماً على دفعات كبيرة متلاحقة فينتهي رصيدكم من المال بسرعة ثم تموتون باكراً، بينما نحن الفقراء يعطينا الله سبحانه وتعالى مما رزقنا على دفعات، كل دفعة تحتوي مالاً قليلاً، فيظل رصيدنا عامراً لفترة أطول فلا نموت إلا بعد عمر طويل. دهش الوالي من إجابة المعمر فأمر له بكيس من الذهب، استلمه منه ومات! «سحب كل ما كان قد تبقى له في رصيده»!
لنستفد من هذه الطرفة كمقاربة لما يجري في بلادنا ونتساءل عن الرصيد المتبقي لـ«المعارضة» التي من الواضح أنها استهلكت الكثير مما هو مدون في حسابها عبر المظاهرات اليومية والمسيرات والاعتصامات وعبر المناكفات التي لم تجن من ورائها شيئاً، وعبر العمليات الميدانية المتمثلة في إشعال النار في إطارات السيارات وتعطيل مصالح الناس واختطاف الاستقرار.
ما لم تنتبه له «المعارضة» هو أنها صرفت جزءاً كبيراً من طاقتها وطاقة من التف حولها من البسطاء في تلك الأنشطة غير المجدية، حتى ليبدو أنها لم تعد تمتلك في رصيدها ما يعينها على مواصلة المشوار، فالجمهور الذي هو رأسمالها الذي تعتمد عليه وصل إلى حالة لم يعد معها قادراً لا على الاستمرار في الاستجابة إلى الدعوات المتتالية له للخروج إلى الشوارع والتورط في مواجهات مع رجال الأمن ولا على تصديق وعودها له وتصويرها الطريق بأنه سهل يسير وأن النصر آتٍ (طبعا النصر بمقياسهم)!
هذا خطأ استراتيجي لم تنتبه له «المعارضة» على اختلاف فصائلها، فقد راهنت على أن الجمهور لا يمكن أن يمل أو يتعب وأن لديه القدرة على مواصلة الطريق رغم كل الخسائر. لم تنتبه إلى أن جمهورها في أغلبه هو من الشباب الصغير والأطفال وأنه لابد أن يصلوا ذات يوم إلى النقطة التي ينتبهون فيها إلى ما يقومون به ويتساءلون عن الهدف منه، ولم تنتبه إلى أنهم سيصلون ذات لحظة إلى إحصاء خسائرهم ومعرفة ما اقترفوه في حق وطنهم ويتوقفون عن كل تلك الممارسات.
لم تنتبه «المعارضة» إلى أنها لا يمكنها الركون طويلاً إلى العائلات والأفراد فقط لأنهم ينتمون إلى مذهب بعينه، فهؤلاء لديهم من المصالح ما لا يمكنهم التفريط فيها وأنهم إن قبلوا ببعض الخسائر فلن يقبلوا بخسارة كل شيء، خصوصاً وهم يرون ما يحدث لغيرهم أمام أعينهم.
«المعارضة» لم تنتبه إلى أنها استهلكت من رصيدها الكثير وأنها لم تعد تمتلك إلا القليل الذي لا يمكن التعويل عليه في الوصول إلى «النصر المبين». لم تنتبه إلى أن من يسندها اليوم وتضع بيضها في سلته قد يلفظها ويقول لها ببساطة إنه صار يتعامل مع الواقع والمصلحة وأن مصلحته تحتم عليه رفع اليد عنها.
لم تنتبه «المعارضة» إلى كل هذا، لذا فإنها ستجد بعد قليل أن رصيدها صفر وأن عليها إن أرادت أن «تعيد شحنه» أن تحتكم إلى العقل وأن تترك عنها أحلام اليقظة.
بالمناسبة؛ ليس الحديث هنا عما تمتلكه «المعارضة» من رصيد في حسابها البنكي لأنه مهما كان كبيراً ومهما تنامى فإنه لا قيمة له إن استمرت في خسارة رصيدها الآخر.. وحصلت على كيس الذهب، كالذي حصل عليه ذلك المعمر!