يقول الدكتور القرني: يا أيها الإنسان.. بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ريّ، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضالّ، ويفكّ العاني، وينقشع الظلام (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده)، بشر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال.
إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة.
فلا تضق ذرعاً، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قُلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.
وينقل لنا الدكتور عائض بن عبدالله القرني إحدى القصص التاريخية العربية، التي توضح طبيعة اليسر بعد العسر، ويقول تحت عنوان (كرب ومطر وجوع)..
عن أبي قلابة المحدث، قال: ضقت ضيقة شديدة، فأصبحت ذات يوم، والمطر يجيء كأفواه القرب، والصبيان يتضورون جوعاً، وما معي حبة واحدة فما فوقها، فبقيت متحيراً في أمري. فخرجت، وجلست في دهليزي، وفتحت بابي، وجعلت أفكر في أمري، ونفسي تكاد تخرج غماً لما ألاقيه، وليس يسلك الطريق أحد من شدة المطر.
فإذا بامرأة نبيلة، على حمار فاره، وخادم أسود آخذ بلجام الحمار، يخوض في الوحل، فلما صار بإزاء داري، سلم، وقال: أين منزل أبي قلابة؟ فقلت له: هذا منزله، وأنا هو.
فسألتني عن مسألة، فأفتيتها فيها، فصادف ذلك ما أحبت، فأخرجت من خفّها خريطة، فدفعت إليّ منها 30 ديناراً. ثم قالت: يا أبا قلابة، سبحان خالقك، فقد تنوق في قبح وجهك، وانصرفت.
إن عشرات أو مئات من حكايات الذين سبقونا والذين يعيشون معنا على هذه الأرض الواسعة، وفي كل زمان ومكان، تبين لنا أن العسر ما هو في حقيقته إلا أحد طرق الامتحان أو الاختبار التي يختبر بها الخالق إيمان المخلوق، ويعلمه أن الصبر هو مفتاح الفرج، والشدة بداية اللين، فلا شيء يبقى كما هو للأبد، لا الليل يبقى إلى ما لا نهاية، ولا النهار يبقى إلى ما شاء الله.
كل شيء متحرك ومتغيّر، كل شيء قابل للتحول من حالة إلى حالة أخرى، بعض الأحيان في أسرع من البرق، فإذا كانت حياتك الآن ليست الحياة التي تريد وتحلم ما عليك إلا الانتظار، فإن كل شيء سوف يأتي في أوانه، وليكن درعك الإيمان وليكن حصنك الاعتقاد الكامل التام بأن الله سوف يعطيك ما ترضى.
وعليك أن تعتمد على الدعاء القلبي الخالص الخارج من روحك الطاهرة، فكل روح هي روح طاهرة، لكن العقل الناقص يحولها إلى غير ذلك، ومن الأدعية المستحبة التي يرددها المؤمنون في كل مكان من هذا العالم، هذا الدعاء الجميل. قل: «اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه».