حين يصف طبيب مضاداً حيوياً لمريض يتوقع أن يبدأ انخفاض حرارته بعد يومين على أكثر تقدير، فإن لم يتحسن المريض، يراجع الطبيب للتشخيص وربما ليغير المضاد، لكن الطبيب الذي يرى الحرارة لا تنخفض ومعاناة المريض لا تخف بل يراها تزداد حدة، ويصر على الاستمرار بإعطاء نفس المضاد فإن الخلل في الطبيب لا في العلة.
لا يمكن لـ»مجموعة» من الشيعة أن تحل مشكلتها مع الشعب البحريني أولاً ومع الدولة ثانياً، ما لم تشخص علتها تشخيصاً سليماً، فإن رأت أن معاناتها مازالت مستمرة فأمامها أكثر من حل، إما أن تنصح الطبيب بإعادة النظر في تشخيصه وبالتالي إعادته في وصفته، أو على الأقل تحتاج هذه المجموعة أن تأخذ «سكند أوبينين» رأياً طبياً ثانياً، أو تغيير الطبيب إن اقتضى الأمر، خاصة أن حالتها تتفاقم يوماً بعد يوم.
«أطباء الأزمة» المكلفون بتوجيه وتحليل وقراءة الأحداث لهذه «المجموعة» من سياسيين وإعلاميين ورجال دين، والمكلفون بإعطاء وصفة العلاج، يشخصون للمجموعة أن أسباب ارتفاع حرارة مريضهم نتيجة وجوده في ظل كيان «غير شرعي»، فوصفوا له دواء هدم الدولة وإعادة بنائها.
فكيان «الدولة» بالنسبة لأطباء الأزمة مبني على معتقد لا يرونه متحققاً في البحرين، وهذا المعتقد خاص بهم دون بقية الشيعة وبقية البحرينيين -إنه لا شرعية لـ»الدولة» بالنسبة لهم إلا تحت راية «الإمام الغائب» أو تحت راية الفقيه العادل أو تحت راية مجموعة من الفقهاء «المجلس العلمائي»، وعدا ذلك فما هو كائن الآن- أياً كان شكله «ملكية دستورية» أو غير دستورية، عدلت دستورها أو لم تعدله، فإنها ستظل تعاني وترتفع درجة حراراتها، ولن تنخفض الحرارة إلا أن يهدم هذا الكيان وتعاد صياغته بمباركة وتصديق «شرعي»، وسترفض هذه المجموعة أي دواء يوصف لها من داخل البحرين أو من خارجها ما لم يصدق عليه طبيبهم «رجل دينهم»، كما إن كل «وصفاتهم» هي العلاج. فعنفهم وإرهابهم «نضال» مشروع، أما رد فعل الدولة تجاه العنف، فهو «قمع» و»اضطهاد» و»تمييز» تقوم به مجموعات أخرى مرئية ضمن نطاق الشرعية، ولابد أن تكون إما «مرتزقة» أو «حقودين أشرار» أخذوا منهم «الغنائم» ونسوهم!!
وتشخيص أطبائهم أن رد فعل الدولة غير الشرعية على من ينتهك القانون من مجموعتهم بسبب فيروس «الاضطهاد الديني» الذي تحمله الدولة، والخلل الذي يمس حقوقهم المدنية «وظائف.. بعثات.. ترقيات.. حرية تجمع.. حرية تعبير.. حرية عبادة»، سببه حمل الدولة لجينات «التمييز العنصري» الذي أصابوا به مجموعة الأبرياء وكل ذنبهم أنهم لا يعترفون بالدولة.
ومشاعر الغضب تجاههم التي يرونها من شركائهم في الوطن أسبابها بكتيريا «الأشرار الحقودين» و»المتكسبين» تسببت في تشويههم الخلقي.. إلخ، وهكذا يستمر التشخيص مضللاً ويستمر العلاج خاطئاً وتبقى معاناة المجموعة وأزمتهم دون حل.
كما إنه لن يقبلوا أي دواء يقترحه الأطباء الأجانب لهم، كاللجوء إلى القضاء أو إلى الحوار.
فالأطباء الذين استدعتهم هي للتدخل لحل أزمتها نصحوهم بدخول الحوار بمنظور جديد، يشخص العلة تشخيصاً جديداً، يقر بوجود قوى سياسية أخرى وبنظام سياسي وبعقد اجتماعي لهم كمجموعة لها وجهة نظر خاصة بتعديله، ونصحوهم بالتوافق عليها مع الآخرين.
إنما هذه الوصفة الأجنبية «الحوار» تصلح كـ»مضاد حيوي» لمن يؤمن بالدولة الموجودة ككيان شرعي، ويؤمن بآخرين موجودين كشركاء في الدولة، ويؤمن بعقد اجتماعي موجود وبميثاق وطني صوت هو عليه، هنا يصلح «الحوار» كمضاد للالتهاب ويساعد على إزالة الاحتقان، أما وهذه المجموعة تختلف مع من تحاورهم على تشخيص أسباب العلة فكيف تتوافق معهم على الدواء؟
وخارج قاعة الحوار تستمر معاناة هذه المجموعة وحدها دون غيرها من مجموعات بشرية تتقاسم هذه الأرض من شيعة وسنة، لأن هذه المجموعات لا تعاني مشكلة شرعية الدولة ولا تجد نفسها تعيش مع كيان لا تعترف بشرعيته.
لذلك كان الله في عونها فعلاً، ففي حين تتوقف الأنفاس على تصريح هنا أو بيان هناك لدولة أجنبية، يعيش بقية أهل البحرين كل مشغول بقضاياه وأولوياته الأخرى.
لذلك تراجعت أهمية الحوار عند الشعب البحريني، وتأقلم مع الإرهاب ومع العنف ولم يعد معنياً بما يدور من جلسات ومن تراشقات، كذلك المشاركون بالحوار تأقلموا مع البذاءات ورذاذ الفم وكريه الأنفاس ويعدونه من قبيل الجهاد الوطني، وهو كذلك فعلاً. فالاستماع لكل أنواع السب والشتم والاحتفاظ برباطة الجأش والاستمرار والرد على الترهات، جهاد نشكر من يقوم به خاصة من يتصدى لتلك الترهات.
إنما في نهاية المطاف الكل مشغول بأولويات اختلفت وتبدلت، وأطباؤهم مصرون على تشخيصهم، مصرون على وصفتهم، ويوماً بعد يوم يتناقص عدد من يرتادون عيادتهم.
وصل بهم اليأس إلى أن يبحثوا بين طيات التصريحات الأجنبية عن كلمة هنا أو إضفاء قوسين هناك، ليلووا به الكلام ويحوروه ليوهموا مرضاهم أن تشخيص الأطباء الأجانب مازال يتطابق مع تشخيصهم.
لذا فرح رئيس تحرير جريدة الوفاق لأنه عثر في بيان الرئاسة الأمريكية على كلمة جاءت في طيات البيان الخاص باجتماع أوباما مع ولي العهد وفريقه، معتقداً أنه وجد ضالته التي تؤكد له ولمرضاه أن تشخيصه يتطابق مع التشخيص الأمريكي، فكتب مقالاً وضع فيه كلمة «وانضم» بين قوسين، ليوحي للقارئ أن أوباما لم يعطِ ولي العهد موعداً رسمياً لأنه غير راضٍ عنه!! إنما كان الرئيس يتمشى في ممرات البيت الأبيض قرب غرفة الاجتماعات، وصدفة سمع صوتاً وفتح الباب فرأى ولي العهد مع مجموعة موظفيه «فانضم» لاجتماعهم!! إنها مرحلة مثيرة للشفقة فعلاً.
هذه الاستنتاجات ممكن أن تريح له نفسه الحائرة وتخدع بها مرضاه الذين مازالوا يثقون في تشخيصه، ومستمرين بتناول وصفاته، التي تعتمد على موقف أمريكي يجبر الشعب البحريني والسلطة البحرينية على تجرع الدواء الذي وصفه هو وزملاؤه «الأطباء»!!.
إلى هذه الدرجة بلغ بهم اليأس من موقف داعم أمريكي أو بريطاني أو أوروبي أو روسي والآن جنوب أفريقي وغداً وفد من الأمانة العامة إلى سيبيريا للاستفادة من تجربتهم في إذابة «الجليد» الذي غطى على عقولهم كي يقولوا لمرضاهم إن تشخيصنا كان صحيحاً وعلاجنا الموصوف لكم هو صحيح أيضاً واستمروا في تناوله.
الخلاصة نقولها لـ»المجموعة» إنه لن ينجح «حوار» ولن ترتفع معاناة ولن يكون الوطن لـ»الجميع» ولن تنتهي آلام أسرهم وأفرادهم والتي لا نقلل منها ولا ننكر وجودها، ما لم تشخص هذه المجموعة -وليس الجماعة- الأعراض تشخيصاً مغايراً جديداً، من منظور مختلف من خارج الصندوق، من عيادة أخرى، حتى لو اضطر الأمر تغيير طاقم «الأطباء»!!
ملاحظة:
في اليومين المقبلين استعدوا لـ»التسلية» مع الممرضين المساعدين ومنظفي المستشفيات الذين يدافعون بالنيابة عن طاقم «الأطباء»، ويستهزئون بالوصفات الأخرى.