مؤخراً ناشد شيخ إحدى القبائل الخليجية الحاكم في بلاده حل مشكلة معينة بات تأخر حلها يؤثر سلباً على حياة أصحابها والمجتمع. المناشدة كشفت عن «ردة» لدى البعض عن القناعة بالمؤسسات الحضرية المنظمة للحياة في دول الخليج العربي، وعن رغبة في العودة إلى ما سبق من أساليب مفتاحها الأساس هو الحاكم وليس المؤسسات «الممثلة للشعب».
عبر التويتر رد أحد النشطاء السياسيين على شيخ القبيلة بالتالي: «إذا كانت قضايا «كهذه» والبطالة وسوء الخدمات الصحية تحل بمناشدة شيخ قبيلة لأمير دولة فليس هناك ضرورة لوزارات وأجهزة ومؤسسات».
رد جميل وقوي ومنطقي؛ لكنه لا يجد القبول من الذين لايزالون يؤمنون بأن أموراً كثيرة يمكن للحاكم في دول الخليج العربي حلها في جلسة ومن دون «صدعة» المؤسسات المختلفة كالبرلمان وغيرها من المجالس السياسية والبلدية ودون «حنة» النواب الممثلين للشعب، وهو لم يعد يجد القبول من أولئك الذين ارتدوا عن قناعاتهم بهذا الأسلوب في اتخاذ القرارات بعدما لاحظوا أنه السبب في تأخر الحلول وتفاقم المشكلات، فأصحاب هذا الرأي يرون أن أمور المواطنين في دول الخليج العربي ظلت بخير حتى اللحظة التي تم فيها اعتماد تلك المؤسسات لإصدار ما يلزم من قرارات وحل ما يحتاج إلى حل من مشكلات. هؤلاء يرون أن قراراً واحداً يمكن أن «يعلج» فيه النواب عاماً كاملاً قبل أن يصدر هزيلاً؛ بينما بإمكان الحاكم أن يصدره في لحظة ويصدر بعده الكثير من القرارات التي يمكن أن تحسن حياة الناس.
الناس إزاء هذا الموضوع إذاً في فريقين؛ فريق يرى أن تعود الأمور إلى يد الحكام الذين يمكنهم أن يتفهموا احتياجات المواطنين ويحلوا مشكلاتهم في جلسة ود، خصوصاً وأن مجتمعاتنا هي في كل الأحوال مجتمعات خواطر، ويرفض أسلوب المؤسسات الحديثة والأغلبية والتصويت وما إلى ذلك من أدوات ومفاهيم تعبر عن الديمقراطية ويعتبرها سبباً في عدم التوصل إلى حل للمشكلات، وفريق آخر يرى أن الزمن ما عاد يستوعب القرار الفردي وأن هذه المؤسسات تعبير عن الإيمان بالديمقراطية وتطبيق لها وبيان للعالم بأن هذه البلاد متحضرة والحكم فيها للمؤسسات والدستور والمواثيق المتوافق عليها بين الشعب والحاكم، وأنه يكفي أن القرارات التي تصدر عنها تصدر برغبة وموافقة جماعية أو شبه جماعية وإن وصلت متأخرة.
في البحرين يعزز الفريق الأول رأيه بالإشارة إلى ما يجري للزيادات المقترحة للموظفين بالقطاعين العام والخاص والمتقاعدين فيقول إنه «لاعت جبد» المواطنين، وهم يتابعون النقاش الخاوي الذي لم يوصل إلى شيء حتى ظنوا أن الموضوع مجرد لعبة يحاولون من خلالها التسويق لأنفسهم لانتخابات 2014 بدليل أن كل نائب يحاول أن يظهر نفسه وكأنه المدافع رقم واحد عن هذا المطلب الذي يمس وتراً حساساً لدى المواطنين. هذا الفريق يرى أن الأفضل هو العودة إلى الأسلوب السابق ليكون بيد الحاكم إصدار القرارات، فهو يعتقد أن قراراً بزيادة الرواتب يمكن أن يصدر في لحظة من قبل الحاكم لو غابت تلك المؤسسات «المعيقة للحياة» من وجهة نظره.
أما الفريق الثاني فيرى أن هذه المؤسسات هي ما يريده الناس وأنها يجب أن تستمر بغض النظر عن سلبياتها، وأن يكون القرار جماعياً ومدروساً بعناية أفضل من أن يكون فردياً أو مستنداً إلى استشارات قد تحكمها المجاملات، خصوصاً وأن المؤسسات البرلمانية جاءت بناء على رغبة من المواطنين عارمة وبعد فترة طويلة من المطالبات للانتقال إلى هذه الصيغة.
صيغة الحكم الحديثة والعصرية أمنية كل مواطن، لكن هذه الأمنية تنجرح مع الاستمرار في عدم قدرتها على إصدار قرارات يفترض أن تكون بسيطة كزيادة الرواتب.