كلنا يعلم مدى تعلق الشعوب العربية والإسلامية بدينها، فهي شعوب متدينة بالفطرة، رغم انفتاحهم على الحياة والحضارة الحديثة، ولهذا مهما بلغ انفتاح العرب والمسلمين يظل التدين مصدر إلهامهم في كل الأحوال.
حين نعرف أن المحرك الأكبر لهذه الشعوب هو الدين، يكون من اليسير فهم تصرفات بعض تجار الدين أو ممن يطلقون على أنفسهم زوراً «علماء دين» من أبناء الطوائف الإسلامية، حين يؤججون عبر مشاريعهم الإسلاموية نار الكراهية والفتنة بين المذاهب الإسلامية كلها، أو بين المسلمين وغيرهم.
هؤلاء العصبة من رجال الدين، يدركون حجم انقياد الإنسان المسلم لدينه، ومن هنا فإنهم يحاولون استثمار الدين لتحقيق مشاريعهم الدينية والسياسية على الأرض من خلال خداع العربي والمسلم بأن الدين في خطر، وأن على أبناء المسلمين أن يقاتِلوا ويحارِبوا لنصرة دين الله مستثمرين طبيعة التدين العفوي الذي يسكن قلب كل مسلم ومسلمة، بينما هُم وفي وقت العاصفة نجدهم أول من يقف على التلِّ إذا اقتربت ساعات الموت، أو ينعمون في عواصم الثلج هُمْ وأسرهم ومن يحبون .
تعتبر التجارة الدينية من أقذر أنواع التجارة عبر العالم، لأنها تجارة بالدم البشري، وفيها أبشع أنواع الاستغلال من طرف الجهة التي لابد لها أن تكون عنصراً محايداً ومناصراً لدم الإنسان وعرضه وماله ووجوده في معارك السياسية، لا أن يكون حماة الدين هم أنفسهم باعته!
هُوشات الكتابات والفتاوى الدينية المنفلتة، ومعها غالبية المنابر الدينية والتويترية والانستغرامية التي يتصدرها بعض رجال الدين، تُنبينا مدى النفوذ الكبير الذي يتمتع به هؤلاء التجار الملتحين في واقعنا المعاصر، حتى استطاعوا أن يخدعوا علية القوم من مهندسين وأطباء ومثقفين وأكاديميين، أما تضليل عامة من الناس فإنه أسهل من شرب الماء.
في الوقت الذي نُلقي بثقل اللائمة على تجار الدين المحصنين اجتماعياً وفي كثير من الأحيان رسمياً، في كل أنحاء الوطن الإسلامي المنكوب بالصراعات والمعجون بالأزمات، نلقي بجزء من هذه الملامة على المسلمين أنفسهم، من الذين لا يميزون بين علماء الدين الحقيقيين وبين تجاره، إذ أن الكثير منهم مازالوا يفكرون بطريقة بدائية، خوفاً من نار جهنم وطمعاً في الجنة التي يوعدونهم بها المتاجرون بالدين، دون أن يفكروا للحظة واحدة فقط، ما يمكن أن يمثله تجار الدين من دور سلبي في هذه الحياة التي اختلط فيها الحابل بالنابل.
عالم الدين، هو الذي يفكر بضميره، ويدفع الناس للحب والخير والصلاح، ويقوم على تهذيب النفوس وإرشاد العقول وتنوير المسالك إلى الله، وذلك عبر إطلاقه حزمة من القيم الإنسانية النبيلة والأفكار المنيرة للمجتمعات الإنسانية، دون أن يُوظف الدين لخدمته وخدمة مصالحه الدنيوية.
من المعيب على تاجر الدين أن يُرسل الناس إلى الفردوس الوهمي، وهو يعيش أرقى أنواع الفردوس الأرضي في بلاد الكفر أو بين أحضان السلاطين، كما من المعيب أن ينجرف ملايين المتعلمين والمثقفين من أبناء أمتنا لدعاوى الموت التي يطلقها رجل دين لا يعرف من الدين إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه.