بلغت تحولات الخطاب الخليجي تجاه تغيرات المشهد المصري درجة متقدمة من البراغماتية النفعية القادرة على العمل في كل أنواع الفرضيات، فقد كانت هناك مساندة مالية خليجية ضخمة للحكومة الجديدة في القاهرة بلغت 12 مليار دولار، وقد تأرجحت الآراء حول «مشروع مارشال الخليجي» بعد زمن الإخوان في القاهرة بين التزامات الشراكة الاستراتيجية ومكافأة العسكر نظير إزاحتهم للإخوان. كان ذلك هو المتحرك؛ أما الثابت فكان الشعور بضخامة المبلغ وعدم وجود مسوغات للظروف التي أحاطت بتقديمه، ولا شك أن لهذه الخطوة الخليجية جوانب إيجابية لايمكن تجاوزها؛ ومنها:
- إعادة دول الخليج النظر بالبيئة الإقليمية في شموليتها بصورة عاجلة تدعو للإعجاب، مما دفع صانع القرارالخليجي لتقدير ظروف مصر الاقتصادية الصعبة التي قد تقودها لمنحدر الدولة الفاشلة، ومنها دين غربي بقيمة مليار دولار واجب السداد، واحتياطي من العملة الصعبة لا يكفي إلا لثلاثة أشهر، بالإضافة إلى التضخم والعاطلين وأزمات الوقود.
- أظهر صانع القرار الخليجي تمتعه بإدراك جاد للمنظومات المصطلحية التي نشأت جراء ثورة 25 يناير، والتي كانت دورة تاريخية اكتملت وحان وقت قطافها من قبل المحيط الإقليمي، ومثل فيه نظام طهران المبادر الأقوى حين عرضت على الإخوان 30 مليار دولار لو تم افتتاح السفارات وعادت العلاقات مجدداً.
- لاح في أفق أزمة إسقاط الإخوان ابتزاز أمريكي فج للجيش المصري عبر التلويح بوقف المعونة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار والتبرير بضرورة التريث قبل توصيف ما حدث إن كان حركة تصحيحية بدوافع شعبية أم انقلاباً عسكرياً تقليدياً، فكانت المساعدة الاقتصادية الخليجية تحريراً للجيش المصري من قيد أمريكي أراد منه أن يكون حارساً للقناة وضامناً لأمن إسرائيل.
أما أسباب عدم الارتياح من «المارشال الخليجي لمصر» وتأرجحه بين المكافأة وتقدير الظروف فيعود لجملة ملاحظات منها:
- في مارس 2011م تسربت أنباء عن مشروع مارشال خليجي للبحرين وسلطنة عمان لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وتوفير المساكن للمواطنين، وفي الوقت نفسه كانت هناك تقاريرعن مشروع مارشال خليجي للنهوض باليمن، وكالعادة أغفلت النوافذ الإعلامية للأمانة العامة لمجلس التعاون ما يشير إلى الخطوات التي تمت في المشروعين، مما يجعلنا نستنفذ رصيدنا من الكياسة ونتساءل عن إمكانية إعادة تسمية الأمانة العامة لمجلس التعاون لتصبح الأمانة العامة لعين عذاري!
- لقد كانت السرعة التي أقرت وصرفت فيها المساعدات لمصر خارج النواميس الخليجية المعتادة! فهل كان مخططاً لها من قبل رجلي الخليجي في القاهرة وهما؛ الببلاوي رئيس الوزراء، الذي عمل بالكويت في التعليم والاستثمارات وأكل «عين النقرور» الذي له مفعول شرب ماء النيل، فصار كويتي الهوى. والرجل الثاني هو الرئيس عدلي منصور، المستشار القانوني، الذي ذاق حلاوة فواكه حائل بالسعودية! فهل تمت مكافأتهما بأعلى منصبين في مصر من أجل ذلك؟
- لقد كان بإمكان الخليجيين إعطاء المساعدات لمصر بعداً مؤسسياً عبر اجتماع للجامعة العربية أو مجلس التعاون، أوعبر حزمة خليجية مشتركة لتلافي الاتهامات التي قالت بإقحام شعب خليجي في صراع سياسي داخلي مصري، وتهمة تبديد أموال الشعب الخليجي بلا تفويض منه، أو قرار خليجي مشترك يخدم مسيرة المجلس كداعم للجوار العربي، بدل إحراج دول خليجية لم تشارك.
- فشل العسكر في ترجمة وصول المبلغ الضخم للشارع المصري، وانكفأت أجهزة العلاقات العامة لديهم على نفسها مما خلق حيز مناورة لمناوئيهم للتشكيك في الدعم إن كان للشعب أم للجيش، بل والقول إن هناك سباقاً لشراء الجيش المصري من قبل الخليجيين ومن قبل واشنطن بمعونتها العسكرية.
- لم يصدر تصريح من مسؤول خليجي واحد حيال المعونة حتى لا تعتبر منة، لكنهم صمتوا أيضاً عن تسويغ وصول المبلغ الضخم للقاهرة، وأطلقوا العنان لصوت جانبي متشنج يحمل شعارات ذات وقع تحرري وخطاباً ديمقراطياً على الأذن فقط، ولم يكن قادراً على فرض مصداقيته.
- بعد تحرير الكويت قدّمت دول الخليج 10 مليارات دولار لدعم مصر، وتم تأسيس الاحتياطي النقدي، لكنه تآكل بسبب السياسات المتخبطة، وعليه ستنفذ هذه الـ 12 مليار الجديدة خلال العقد القادم، وفي ظل شدة شروط البنك الدولي سيخرج الشعب المصري للشوارع مرة أخرى، فمشروع مارشال الخليجي لمصر هو لتأخير غضب شعبي سيتكرر إن لم تستغل الأموال في خلق تنمية مستدامة.
- سبق للخليج أن وقف لجانب مصر في حرب 67 و73، ثم أسقطت ديون مبارك 1991م، لكن الأمور لم تتغير كثيراً في مصر، فالأجدى هو التواصل مع الشعب المصري مباشرة بفتح أبواب العمل للمصريين وبناء المشاريع، وليس الدفعات المالية. فما يدفعنا للقلق هو أن الكويت قدمت 4 مليارات دولار منها مليار منحه، وقدمت الرياض 5 مليارات منها مليار نقداً، أما الإمارات فقدمت 3 مليارات منها مليار منحة، فهل تعيدنا الدفعات النقدية والمنح لعصر مساعدات «حقائب السامسونايت» التي كانت تغادر الخليج لسويسرا!
لقد جاءت صفحة «المارشال الخليجي لمصر» في آخر كتاب موقف الخليج من ثورة 25 يناير لتكذب كل الصفحات السابقة، وأثبتت قدرة الخطاب الخليجي على التحول بوتيرة سريعة تدفعها البراغماتية النفعية القادرة على العمل في كل أنواع الفرضيات، وهو أمر إيجابي. لكن الإشكالية أتت مما أورده الزميل ياسر الزعاترة ويفيد أن شباناً أردنيين اقترحوا لحل الأزمة الاقتصادية أن يحكم الإخوان مدة سنة ثم يجري الانقلاب عليهم لجلب المليارات الخليجية! فلحق بهم على نفس النهج جزائريون قالوا بوصول الإخوان للحكم بعد وفاة بوتفليقة، وحتماً ستلقى الجزائر نفس المبادرة الخليجية تجاه مصر حين يسقطون الإخوان، فهل يقرأ أهل تونس ما نحن كاتبون؟
- إعادة دول الخليج النظر بالبيئة الإقليمية في شموليتها بصورة عاجلة تدعو للإعجاب، مما دفع صانع القرارالخليجي لتقدير ظروف مصر الاقتصادية الصعبة التي قد تقودها لمنحدر الدولة الفاشلة، ومنها دين غربي بقيمة مليار دولار واجب السداد، واحتياطي من العملة الصعبة لا يكفي إلا لثلاثة أشهر، بالإضافة إلى التضخم والعاطلين وأزمات الوقود.
- أظهر صانع القرار الخليجي تمتعه بإدراك جاد للمنظومات المصطلحية التي نشأت جراء ثورة 25 يناير، والتي كانت دورة تاريخية اكتملت وحان وقت قطافها من قبل المحيط الإقليمي، ومثل فيه نظام طهران المبادر الأقوى حين عرضت على الإخوان 30 مليار دولار لو تم افتتاح السفارات وعادت العلاقات مجدداً.
- لاح في أفق أزمة إسقاط الإخوان ابتزاز أمريكي فج للجيش المصري عبر التلويح بوقف المعونة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار والتبرير بضرورة التريث قبل توصيف ما حدث إن كان حركة تصحيحية بدوافع شعبية أم انقلاباً عسكرياً تقليدياً، فكانت المساعدة الاقتصادية الخليجية تحريراً للجيش المصري من قيد أمريكي أراد منه أن يكون حارساً للقناة وضامناً لأمن إسرائيل.
أما أسباب عدم الارتياح من «المارشال الخليجي لمصر» وتأرجحه بين المكافأة وتقدير الظروف فيعود لجملة ملاحظات منها:
- في مارس 2011م تسربت أنباء عن مشروع مارشال خليجي للبحرين وسلطنة عمان لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وتوفير المساكن للمواطنين، وفي الوقت نفسه كانت هناك تقاريرعن مشروع مارشال خليجي للنهوض باليمن، وكالعادة أغفلت النوافذ الإعلامية للأمانة العامة لمجلس التعاون ما يشير إلى الخطوات التي تمت في المشروعين، مما يجعلنا نستنفذ رصيدنا من الكياسة ونتساءل عن إمكانية إعادة تسمية الأمانة العامة لمجلس التعاون لتصبح الأمانة العامة لعين عذاري!
- لقد كانت السرعة التي أقرت وصرفت فيها المساعدات لمصر خارج النواميس الخليجية المعتادة! فهل كان مخططاً لها من قبل رجلي الخليجي في القاهرة وهما؛ الببلاوي رئيس الوزراء، الذي عمل بالكويت في التعليم والاستثمارات وأكل «عين النقرور» الذي له مفعول شرب ماء النيل، فصار كويتي الهوى. والرجل الثاني هو الرئيس عدلي منصور، المستشار القانوني، الذي ذاق حلاوة فواكه حائل بالسعودية! فهل تمت مكافأتهما بأعلى منصبين في مصر من أجل ذلك؟
- لقد كان بإمكان الخليجيين إعطاء المساعدات لمصر بعداً مؤسسياً عبر اجتماع للجامعة العربية أو مجلس التعاون، أوعبر حزمة خليجية مشتركة لتلافي الاتهامات التي قالت بإقحام شعب خليجي في صراع سياسي داخلي مصري، وتهمة تبديد أموال الشعب الخليجي بلا تفويض منه، أو قرار خليجي مشترك يخدم مسيرة المجلس كداعم للجوار العربي، بدل إحراج دول خليجية لم تشارك.
- فشل العسكر في ترجمة وصول المبلغ الضخم للشارع المصري، وانكفأت أجهزة العلاقات العامة لديهم على نفسها مما خلق حيز مناورة لمناوئيهم للتشكيك في الدعم إن كان للشعب أم للجيش، بل والقول إن هناك سباقاً لشراء الجيش المصري من قبل الخليجيين ومن قبل واشنطن بمعونتها العسكرية.
- لم يصدر تصريح من مسؤول خليجي واحد حيال المعونة حتى لا تعتبر منة، لكنهم صمتوا أيضاً عن تسويغ وصول المبلغ الضخم للقاهرة، وأطلقوا العنان لصوت جانبي متشنج يحمل شعارات ذات وقع تحرري وخطاباً ديمقراطياً على الأذن فقط، ولم يكن قادراً على فرض مصداقيته.
- بعد تحرير الكويت قدّمت دول الخليج 10 مليارات دولار لدعم مصر، وتم تأسيس الاحتياطي النقدي، لكنه تآكل بسبب السياسات المتخبطة، وعليه ستنفذ هذه الـ 12 مليار الجديدة خلال العقد القادم، وفي ظل شدة شروط البنك الدولي سيخرج الشعب المصري للشوارع مرة أخرى، فمشروع مارشال الخليجي لمصر هو لتأخير غضب شعبي سيتكرر إن لم تستغل الأموال في خلق تنمية مستدامة.
- سبق للخليج أن وقف لجانب مصر في حرب 67 و73، ثم أسقطت ديون مبارك 1991م، لكن الأمور لم تتغير كثيراً في مصر، فالأجدى هو التواصل مع الشعب المصري مباشرة بفتح أبواب العمل للمصريين وبناء المشاريع، وليس الدفعات المالية. فما يدفعنا للقلق هو أن الكويت قدمت 4 مليارات دولار منها مليار منحه، وقدمت الرياض 5 مليارات منها مليار نقداً، أما الإمارات فقدمت 3 مليارات منها مليار منحة، فهل تعيدنا الدفعات النقدية والمنح لعصر مساعدات «حقائب السامسونايت» التي كانت تغادر الخليج لسويسرا!
لقد جاءت صفحة «المارشال الخليجي لمصر» في آخر كتاب موقف الخليج من ثورة 25 يناير لتكذب كل الصفحات السابقة، وأثبتت قدرة الخطاب الخليجي على التحول بوتيرة سريعة تدفعها البراغماتية النفعية القادرة على العمل في كل أنواع الفرضيات، وهو أمر إيجابي. لكن الإشكالية أتت مما أورده الزميل ياسر الزعاترة ويفيد أن شباناً أردنيين اقترحوا لحل الأزمة الاقتصادية أن يحكم الإخوان مدة سنة ثم يجري الانقلاب عليهم لجلب المليارات الخليجية! فلحق بهم على نفس النهج جزائريون قالوا بوصول الإخوان للحكم بعد وفاة بوتفليقة، وحتماً ستلقى الجزائر نفس المبادرة الخليجية تجاه مصر حين يسقطون الإخوان، فهل يقرأ أهل تونس ما نحن كاتبون؟