مهما كثر الكلام في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من تاريخ الوطن العربي حول التغيرات الحاصلة في المنطقة، إلا أننا لا نؤمن بالخرافة التي يروج لها البعض، وهو أن الصراع الحالي هو صراع سني - شيعي، فما يجري الآن من فظائع كارثية هو أكبر من كونه صراعاً طائفياً ضيقاً، كما يحلو للبعض أن يصفه.
إن الذي يحصل في وطننا العربي وفي الشرق الأوسط عموماً، هو مشروع تقسيم للمنطقة برمتها، وما نشهده من أحداث مرعبة وغريبة هي حالة للتجلي الواضح للمخاض السياسي التي يعصف بالأوضاع قبل أن يأتي المولود الجديد، وسواء كان المشروع الجنيني سليماً أو مشوهاً، يظل المخاض مخاضاً عسيراً ومجهولاً في عمومياته.
المنطقة اليوم على وشك التقسيم، وربما يذهب كثير من المحللين السياسيين الكبار أن المنطقة تم تقسيمها بالفعل بين واشنطن وموسكو، وما نراه من عواصف سياسية تعتبر جزءاً من المشروع التحضيري لما قبل تقسيم الإرث الكبير بين الدول الكبرى.
هذه الدول التدميرية تبيِّن للعالم مدى شغفها العاطفي لرسم معالم أبجديات الديمقراطية في عالمنا العربي، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، فهي دول عظمى تنهش دولاً صغرى، هذا كل ما في الأمر، أما من يأتي اليوم ليُفلسف الأوضاع السياسية في عمومها ليضعها في سياقها الطائفي والمذهبي فهو لا يدرك حقيقة وبشاعة ما يُحاك في جُنح الظلام من مؤامرات خبيثة لأمتنا العربية، كما إنه لا يفهم قراءة ما بين السطور فضلاً عن المستقبل.
أبداً هو ليس صراعاً سنياً - شيعياً، فالصراعات المذهبية التي نراها هي جزء بسيط من اللعبة الكبرى، وهذا الصراع المذهبي يقف خلفه أشخاص وربما مجاميع سياسية أو دينية لا غير، لكن المشروع السياسي الكبير الذي نتحدث عنه هنا يتجاوز حدود المذاهب ليصل إلى حدود رسم خارطة الطريق والجغرافيا لمعاهدة «سايكس بيكو 2».
نحن نؤمن أن من يقوم بإشعال الحروب المذهبية من كل الأطراف في وقتنا الراهن هم جزء من أدوات اللعبة السياسية الكبيرة، فلربما هم يشعرون بذلك وفي أحايين كثيرة لا يعلمون بما يقومون به من ممارسات طائفية تخدم المشروع الإمبريالي الصهيوني، لهذا نرجو كل الرجاء من أبناء المسلمين أن يُوقفوا صراعاتهم الطائفية الرخيصة لأجل الحفاظ على أوطانهم وكرامتهم، وأن ينتبهوا بأن العدو واحد، هو الغرب متمثلاً في أمريكا والدول الغربية الأخرى، والشرق متمثلاً في روسيا والصين، أما ما يُسمى بالصراع السني - الشيعي فهو أشبه بلعبة الأطفال التي يتسلى بها المهوسون بالدين المذهبي، دون فائدة تُرتجى منهم جميعاً سوى مزيد من الانحدار والتخلف والضياع والسقوط.