نحسب للقائمين على هيئة الإعلام جهودهم في إعادة جزء من هوية تلفزيون البحرين في رمضان، وطبعاً هذا لم يكن ممكناً لولا «كوكبة» الفنانين البحرينيين الذين نحييهم على مشاركتهم في هذه الأعمال، مع إدراكنا بأن المردود عليهم لو قاموا بأعمال في الخارج قد يكون أضعافاً مضاعفة مما يتحصلون عليه في الداخل.
كإعلاميين -وشخصياً كإعلامي سبق وعملت في وزارة الإعلام- نعرف تماماً الأوضاع في الوزارة وكثيراً من الذي ينقص هيئة الإذاعة والتلفزيون، والتي رغم عمليات التطوير والدعم إلا أنها مازالت بحاجة للمزيد حتى تنهض في سماء الفضائيات العربية خاصة وأن الأخيرة تمتلك موازنات تفوق موازنات وزارات مجتمعة.
لن أقول بأن هيئتنا ينطبق عليها المثل الشعبي «مكسورة وتبرد»، لكن أقول بأنها تعمل بالطاقات الموجودة وبالمتوافر من الإمكانيات، ومع ذلك تنتج أعمالاً رائعة ومبدعة نتيجة وجود «الفنان البحريني» الذي يمتلك الموهبة والإصرار والوطنية.
البعض قد يقسوعلى التلفزيون وما ينتجه، قد ينتقد بقوة حينما يقارن بينه وبين تلفزيونات أخرى، وهذا واقع وحق لا ينكر على الناس، لكن من باب الإنصاف يجوز القول بأن محاولات إعادة إحياء التلفزيون البحريني واضحة، وجهود الفنانين يفترض تقديرها، خاصة وأن كثيراً منهم يقدمون هذه الأعمال بأقل القليل.
مسلسل مثل «برايحنا» يعيد لأذهاننا بعضاً من الإنتاج «الذهبي» لتلفزيون البحرين، إنتاج مثل «ملفى الأياويد»، «حزاوي الدار»، «فرجان لول» و»سعدون» وغيرها من المسلسلات التي تركز على الإرث الشعبي للبحرين والذي هو «ملعب» الفنان البحريني الذي يبدع فيه.
الجميل في هذا المسلسل هو جمعه لـ»كوكبة» رائعة من الفنانين البحرينيين من مختلف الأجيال، من ممثلين ومطربين وحتى فنيين خلف الكواليس، ولعل ما افتقدناه بينهم هو رؤية الفنان الكبير محمد البهدهي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، الذي أجزم بأن القائمين على التلفزيون سيتذكرونه وسيذكروننا به في رمضان بحلقة خاصة عنه تبرز أعماله وتجمع آراء زملائه وحديث الذكريات الجميل عنه.
مسلسل مثل «يوميات بوجليع»، رغم بساطته ورغم اعتماده على الرسم الكاريكاتوري إلا أن الرسائل التي يتضمنها تجعله من أقرب البرامج الفكاهية وصولاً لقلب المواطن البحريني، خاصة بانتهاجه أسلوب النقد المباشر للواقع الذي يعيشه. هذا المسلسل تبرز فيه إبداعات طاقات إعلامية برزت في سماء الإذاعة والتلفزيون ولولا التصاقها الشديد بالبحرين وحبها للعمل الإعلامي في وطنها لما ترددت في الهجرة للخارج بحثاً عن مزيد من الشهرة مثل الزميل عماد عبدالله وسيما العريفي وبقية العاملين في هذا المسلسل.
حتى البرامج الخفيفة التي ينتجها مجموعة من الشباب سواء الثقافية أو الفكاهية كلها تبشر بوجود امتداد جميل للخبرات والمخضرمين من الفنانين، بالتالي مهمة احتضانهم وصقل مواهبهم وتطويرها مسألة أجزم بأنها موجودة في فكرالقائمين على الهيئة.
بإمكاننا وبجرة قلم أن ننتقص من كل هذه الجهود، وبإمكاننا أن ننتقد بشدة بناء على المقارنات مع الخارج، لكن –وهو الأهم- بالإمكان دعم هذه الجهود وتقديرها وتثمينها والمساعدة عبر التفكير بصوت مرتفع في اقتراح عديد من الخطط والأفكار للبناء على هذه «اللبنات» سعياً للوصول لوضع أفضل.
إن كنا سننظر بعين الإنصاف، فإن التطوير ومحاولات تقديم الجديد والقريب للمواطنين بمختلف شرائحهم لم تقتصر على رمضان، بل هناك حزمة برامج جيدة تقدم طوال العام وحققت صدى إيجابياً، ابتداء من البرامج الصباحية مثل «هلا بحرين» مروراً بالبرامج الدينية والشبابية وصولاً للبرامج المسائية الحوارية مثل «أنا البحرين»، وهذا يحسب في رصيد التطوير.
القصد من هذه السطور ليس مدحاً وإشادة بل كلمة حق هدفها بيان أن هناك تقديراً لهذه الجهود، وفي مقام آخر مقدمة لاقتراح يهدف لتحقيق وضع أفضل لهذه النخبة من الفنانين البحرينيين الذين نراهم في رمضان وغيره من الشهور، نراهم يرسمون البسمة على الشفاه، ويذكروننا بالإرث البحريني الشعبي أو يحاولون قدر المستطاع أن يعيدوا البريق لهذه الشاشة.
أكثر هؤلاء الممثلين هم عاملون في هيئة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام وبعض الوزارات الأخرى، بعضهم يعملون كفنيين أومنسقين أو في السكرتارية أو في قطاعات أخرى، بعضهم تراه فناناً مبدعاً على الشاشة وقد يطل عليك من شاشات خليجية في أدوار جميلة، لكنك تستغرب أشد الاستغراب حينما تعلم بأنه موظف بسيط وعادي جداً في الهيئة أو أي وزارة أخرى! أقول تستغرب لأن الغالبية من الممثلين في دول الخليج هم ممن ينطبق عليهم وصف «المحترفين» بمعنى أن مهنتهم الفن ولا شيء آخر، تركيزهم على التمثيل والإنتاج فقط.
لماذا لا نفكر جدياً بإنشاء هيئة، ولن أقول «نقابة»، لأن مجرد كلمة «نقابة» ستجعل من يحبون سرقة هذه الكيانات والنقابات لأغراض سياسية «يتنططون» ويحاولون اختطافها وتسييسها، أقول لِمَ لا نفكر بإنشاء هيئة عليا للفنون والتمثيل تكون معنية بالاهتمام بالفنانين البحرينيين وتوفر لهم أفضل الأجواء ليثروا الساحة الفنية بالإنتاج، وتكون معنية بصرف رواتب محددة لهم كموظفين في الدولة بمسمى «فنان»، أقلها يضمنون وضعهم كأي مواطن عامل آخر، بدلاً من أن يذهب الواحد منهم لمكتبه في الصباح لدوام كامل ثم ينطلق عصراً لمواقع التصوير حتى الليل، أو بدلاً من تفريغه لفترة التصوير فقط وكأنه يتم التكرم عليه بمنحه مساحة وقت لا أدري إن كانت مدفوعة أم لا باعتبار أن التعويض المادي سيكون عبر العمل الذي يساهم فيه؟!
نتمنى الأفضل للفنان البحريني، هذا الفنان الذي يستحق منا الشكر، ويستحق من الدولة كل التقدير، ليس بالكلام لكن بما يغير واقعه.