من الطبيعي جداً أن يشهد أي نظام سياسي في العالم تحديات كثيرة عندما يبدأ في التحول نحو الديمقراطية، خاصة إذا كان حديث عهد بمثل هذه التجربة. وعادة ما تكون بعض التحديات سهلة المواجهة، وأخرى صعبة تتطلب وقتاً أطول بكثير.
البحرين ليست بمعزل عن هذه الحقيقة منذ بداية تحولها الديمقراطي في العام 2001، فالتحديات كانت ومازالت كثيرة، ولكن هل تمت مواجهتها ومعالجتها من الأساس؟
لا أعتقد ذلك، فإذا تمكنت الدولة البحرينية من بناء النظام السياسي بشكله الملكي الدستوري الجديد، وأسست الكثير من المؤسسات التي تتطلبها المرحلة الجديدة، وأصدرت كماً كبيراً من القوانين والتشريعات والأنظمة الداعمة للتحول الديمقراطي.
فإنها بالمقابل لم تبذل جهوداً موازية لتحقيق جوهر الديمقراطية وهو الثقافة السياسية الواعية الناضجة القادرة على دعم جهود بناء النظام الديمقراطي. وحتى نتعرف على البون الشاسع بين الواقع والطموح، وإهمال بناء الثقافة السياسية، يمكن استعراض مثال واحد فقط رغم وجود العديد من الأمثلة.
قانون الجمعيات السياسية يحظر إنشاء جمعيات تقوم على أسس طائفية أو دينية أو مذهبية.. إلخ، ولكن النتيجة كانت مخالفة لهذا القانون. وليست المشكلة هنا مشكلة القانون، وإنما مشكلة مؤسسي الجمعيات السياسية والقائمين عليها، فهم لم يكترثوا كثيراً بأهمية وجود برنامج سياسي يعملون على تحقيقه كما تقوم بذلك الأحزاب السياسية، بقدر اهتمامهم بأن تمثل الجمعية السياسية هذا المذهب أو تلك الأيديولوجيا أو هذه المجموعة من الأفراد!
بالمقابل لم تبذل الدولة جهوداً لتوعية المواطنين بأن الجمعيات السياسية يجب ألا تكون بالشكل الذي ظهرت عليه خلال فترة العقد الماضي. وهذا التجاهل أفضى إلى التأثير على الاستحقاقات الانتخابية، ففي كل انتخابات لا يكترث الناخبون بأهمية البرنامج السياسي الذي يقدمه المترشح أو حتى الجمعيات السياسية، ولكنهم يهتمون بمعرفة الشخصيات التي تعتزم الترشح وخلفياتها المتنوعة ومدى نفوذها وأنشطتها السابقة التي قامت بها.
لاحقاً عندما يدخل النواب السلطة التشريعية فإنهم لا يكترثون تماماً بما أعلنوا عنه من برنامج انتخابي خلال فترة الانتخابات، وبالمقابل نجد أن المواطنين لا يكترثون بمتابعة أنشطة النواب رغم أنها مسؤوليتهم بالدرجة الأولى.
لم تبذل أي جهة جهوداً لمعالجة هذا التحدي، وما يجري دائماً هو الانتقاد المزمن من المواطنين، والتبرير المزمن من النواب!
الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هي أن بناء الثقافة السياسية الناضجة آخر أولويات بناء الديمقراطية البحرينية، رغم أنها التحدي الأول، وهي السبب في الصراع السياسي الدائر حالياً، والذي يجب مراعاته في الحل دائماً.
{{ article.visit_count }}
البحرين ليست بمعزل عن هذه الحقيقة منذ بداية تحولها الديمقراطي في العام 2001، فالتحديات كانت ومازالت كثيرة، ولكن هل تمت مواجهتها ومعالجتها من الأساس؟
لا أعتقد ذلك، فإذا تمكنت الدولة البحرينية من بناء النظام السياسي بشكله الملكي الدستوري الجديد، وأسست الكثير من المؤسسات التي تتطلبها المرحلة الجديدة، وأصدرت كماً كبيراً من القوانين والتشريعات والأنظمة الداعمة للتحول الديمقراطي.
فإنها بالمقابل لم تبذل جهوداً موازية لتحقيق جوهر الديمقراطية وهو الثقافة السياسية الواعية الناضجة القادرة على دعم جهود بناء النظام الديمقراطي. وحتى نتعرف على البون الشاسع بين الواقع والطموح، وإهمال بناء الثقافة السياسية، يمكن استعراض مثال واحد فقط رغم وجود العديد من الأمثلة.
قانون الجمعيات السياسية يحظر إنشاء جمعيات تقوم على أسس طائفية أو دينية أو مذهبية.. إلخ، ولكن النتيجة كانت مخالفة لهذا القانون. وليست المشكلة هنا مشكلة القانون، وإنما مشكلة مؤسسي الجمعيات السياسية والقائمين عليها، فهم لم يكترثوا كثيراً بأهمية وجود برنامج سياسي يعملون على تحقيقه كما تقوم بذلك الأحزاب السياسية، بقدر اهتمامهم بأن تمثل الجمعية السياسية هذا المذهب أو تلك الأيديولوجيا أو هذه المجموعة من الأفراد!
بالمقابل لم تبذل الدولة جهوداً لتوعية المواطنين بأن الجمعيات السياسية يجب ألا تكون بالشكل الذي ظهرت عليه خلال فترة العقد الماضي. وهذا التجاهل أفضى إلى التأثير على الاستحقاقات الانتخابية، ففي كل انتخابات لا يكترث الناخبون بأهمية البرنامج السياسي الذي يقدمه المترشح أو حتى الجمعيات السياسية، ولكنهم يهتمون بمعرفة الشخصيات التي تعتزم الترشح وخلفياتها المتنوعة ومدى نفوذها وأنشطتها السابقة التي قامت بها.
لاحقاً عندما يدخل النواب السلطة التشريعية فإنهم لا يكترثون تماماً بما أعلنوا عنه من برنامج انتخابي خلال فترة الانتخابات، وبالمقابل نجد أن المواطنين لا يكترثون بمتابعة أنشطة النواب رغم أنها مسؤوليتهم بالدرجة الأولى.
لم تبذل أي جهة جهوداً لمعالجة هذا التحدي، وما يجري دائماً هو الانتقاد المزمن من المواطنين، والتبرير المزمن من النواب!
الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هي أن بناء الثقافة السياسية الناضجة آخر أولويات بناء الديمقراطية البحرينية، رغم أنها التحدي الأول، وهي السبب في الصراع السياسي الدائر حالياً، والذي يجب مراعاته في الحل دائماً.