ليست مشكلة «الوفاق» الرئيسة ارتباطها بأيديولوجيا ولاية الفقيه وعلاقاتها مع النظام الإيراني الثيوقراطي، ولكن مشكلتها الأولى والأخيرة أنها عاجزة عن التعايش مع محيطها البحريني بالدرجة الأولى.
فلو افترضنا أن «الوفاق» تسعى إلى بناء النظام الديمقراطي الذي ينال فيه الجميع حقوقهم وفقاً لقواعد المواطنة، ويكون هناك السقف المنشود من الحريات الأساسية، ونظام يكفل مبادئ وحقوق الإنسان، فهل «الوفاق» هي القادرة على بناء هذا النظام سواءً كان نظاماً مدنياً أم ملكياً أم جمهورياً؟
القاعدة المنطقية تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، و»الوفاق» عبر تجربتها الحديثة التي بدأت عندما تأسست في العام 2002 تشير إلى عجزها عن التعايش مع بقية القوى السياسية المختلفة، وكذلك المحيط البحريني.
في البداية دخلت في تحالفات معقولة مع عدد من الجمعيات السياسية اليسارية، ولكنها أدركت الفرق الكبير في الأيديولوجيا والأجندة السياسية، فاضطرت إلى أن تسيطر على هذه الجمعيات، وصارت تدريجياً جمعيات تابعة لها، وهو ما دفع العشرات من كوادر هذه الجمعيات إلى الاستقالة والعزوف عن العمل السياسي.
في فترات سابقة أيضاً كانت هناك محاولات للتنسيق والتعاون مع الشيرازيين قبل أن يتم حل جمعيتهم السياسية، والنتيجة كانت فاشلة. وحتى المحاولات التي تمت لإقامة علاقات مع تيارات راديكالية مثل (حق والوفاء وخلاص) كان مصيرها الفشل.
ليس السبب هنا اختلاف الآراء والمواقف السياسية، فالمصالح بين هذه الأطراف تتشابه إلى حد كثير، وجميعها تتفق على ضرورة إسقاط النظام أو بناء نظام جديد يكون لها الهيمنة والسيطرة والاستحواذ وليس لغيرها. ولكن مشكلة «الوفاق» عدم القدرة على التعايش مع القوى السياسية الأخرى، ومفهوم التعايش لديها يعني سيطرتها على القوى السياسية الأخرى أو على الجمهور أو على الحكم.
تنظيم سياسي راديكالي مثل «الوفاق» لا يمكنه أن يتعايش مع القوى السياسية البحرينية، وكذلك مكونات مجتمع البحرين لأنه يعتمد على الإقصاء ونفي الآخر، ولذلك في تداعيات الأزمة الأخيرة تتمسك «الوفاق» بآرائها ومواقفها السياسية باعتبارها الصحيحة والمنطقية والمعمول بها عالمياً والتي يجب تنفيذها، وبقية الآراء ليس لها أدنى قيمة، ولا تستحق الدراسة أو الاهتمام.
هذا على المستوى الأكبر، ولكن على المستوى الأصغر فإن «الوفاق» نفسها غير قادرة على التعامل مع جمهورها، فهي تدرك أن استمرار الخداع ليس مجدياً، والجمهور ينتظر نتائج بعد أن تورط معها في الأزمة وتداعياتها وخسر الكثير، والخيار أمامها استمرار الخداع من خلال المنبر الديني بقيادة عيسى قاسم.
تنظيم غير قادر على التعايش مع مختلف مكونات المجتمع والقوى السياسية المختلفة، كيف يمكن أن يبني ديمقراطية، فالديمقراطية تقوم على التعايش بين هذه الأطراف وليس إقصاءها ونفيها كما تقوم به الوفاق!