حتى قبل حلول الشهر الكريم بيوم واحد كان التفاؤل يملأ النفوس بأن رمضان سيكون مختلفاً عن الشهور الثلاثين السابقة له، وأنه سيكون بداية الانطلاقة نحو حل نهائي لمشكلاتنا، والكثيرون توقعوا أن نشهد رمضاناً هادئاً نتفرغ فيه جميعاً للعبادة والتفكر في مستقبل هذا الوطن، فكلا الأمرين لا يتحققان إن استمرت المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن.
الإحساس بأن رمضان هذا العام سيكون هادئاً توفر لأسباب قد يكون منها وصول المواطنين إلى مرحلة «الملل» من هذا الذي يحدث يومياً وصار لا بد من رفضه، وقد يكون منها الجو العام الذي يسبق عادة قدوم شهر رمضان حيث يشعر معه الفرد أنه قابل لأن يكون إيجابياً، أو أن الإحساس مرده إلى أن الجميع صار يتمنى أن تنتهي هذه المشكلة التي أرهقت الوطن وأرهقتهم.
أياً كانت الأسباب، فإن المؤسف أن هذا التفاؤل تم القضاء عليه منذ اليوم الأول لرمضان والذي امتلأ بالعمليات والمواجهات وتتالت الأحداث من بعده، فانشغل الشارع بموضوع نشر صور تظهر تعرض سجين لتعذيب قاسٍ، فانقسم إزاءها إلى فريقين؛ فريق اعتبرها مفبركة (شغل فوتو شوب) والآخر اعتبرها حقيقية، ثم انشغل بكلام محتجزة عن تعرضها لموقف يمس العرض أثناء التحقيق معها، الأمر الذي أدى إلى إشعال العامة، فأياً كانت درجة الصدق فيه فإن الأرواح في مجتمع محافظ ترخص إن مست الأعراض. وقبله وبعده كلام وكلام عن كلام قاله مسؤول في الدولة تم تفسيره بشكل أو بآخر واتخذ سبباً لتحريك الشارع، وغير هذه من أحداث ومواقف تتالت سريعاً فأضاعت الفرحة برمضان وأضاعت الأمل الذي برز للحظة مع قدوم الشهر الكريم.
الأكيد أن شهر رمضان سيمتلئ بالقصص والحكايات التي لن تؤدي إلا إلى تعقد المشكلة أكثر وأكثر، والأكيد أن الشهر الكريم سينتهي من دون أن نكون قد استفدنا منه في تقريب وجهات النظر والمصالحة. هذا يعني أن الحاجة اليوم باتت ماسة بشكل أكبر إلى «مبادرة شجاعة» تعين على الأقل على تجاوز القصص الصغيرة التي هي بمثابة مادة شاحنة ولتفتح الطريق نحو الحل الدائم، ذلك أن الحلول المؤقتة أو الترقيعية لن تجدي وسنجد أنفسنا في أي لحظة وقد عدنا إلى المربع الأول.
هل يعقل ألا يتمكن هذا الشعب المتعلم المثقف المؤمن الممتلئ عن آخره بالعقول النيرة والحكماء وذوي الخبرة والتجربة من الوصول إلى حيث النقطة التي يبدأ معها حل هذه المشكلة التي ليست الأولى ولا الوحيدة في تاريخ البشرية؟
الاستمرار فيما يجري الآن لن يوصل إلى شيء، ذلك أن النهاية لن تكون بخسارة وسقوط طرف من الطرفين وهزيمته. في المشكلة البحرينية لا يمكن لطرف أن يسقط الطرف الآخر مهما فعل ومهما طالت الفترة، لسبب بسيط، هو أن الطرفين لا يستطيعان أن يعيشا ويتطورا ويكبرا إلا معاً، فهذا قدرنا.
لا يمكن للنظام أن يلغي مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع ولا يمكن لـ «المعارضة» أن تلغي المكون الآخر أو تلغي النظام. فالأطراف كلها لبعضها البعض، وبالتالي فإن الحقيقة الأكيدة هي أنه مهما طالت المشكلة وامتدت وتعقدت لا يمكن حلها إلا بالنظر إلى الأمور بواقعية وبالتفاهم وتقديم التنازلات، لذا فإن الأفضل هو إيجاد حل اليوم قبل الغد ليوفر على الجميع الكثير لأن استمرار المشكلة يزيد من تعقدها، وتعقدها يؤخر حلها ويقلل من مكاسب الجميع.
«المعارضة» لن تتمكن من إسقاط النظام، والنظام لن يتمكن من إسقاط «المعارضة» أياً كان نوعها، كلاهما من القوة والمنعة ما يمنع من سقوطهما، والاستمرار في المواجهات لن يؤدي إلا إلى تعقد المشكلة. فهل من مبادرة شجاعة تنقذ هذا الوطن؟
{{ article.visit_count }}
الإحساس بأن رمضان هذا العام سيكون هادئاً توفر لأسباب قد يكون منها وصول المواطنين إلى مرحلة «الملل» من هذا الذي يحدث يومياً وصار لا بد من رفضه، وقد يكون منها الجو العام الذي يسبق عادة قدوم شهر رمضان حيث يشعر معه الفرد أنه قابل لأن يكون إيجابياً، أو أن الإحساس مرده إلى أن الجميع صار يتمنى أن تنتهي هذه المشكلة التي أرهقت الوطن وأرهقتهم.
أياً كانت الأسباب، فإن المؤسف أن هذا التفاؤل تم القضاء عليه منذ اليوم الأول لرمضان والذي امتلأ بالعمليات والمواجهات وتتالت الأحداث من بعده، فانشغل الشارع بموضوع نشر صور تظهر تعرض سجين لتعذيب قاسٍ، فانقسم إزاءها إلى فريقين؛ فريق اعتبرها مفبركة (شغل فوتو شوب) والآخر اعتبرها حقيقية، ثم انشغل بكلام محتجزة عن تعرضها لموقف يمس العرض أثناء التحقيق معها، الأمر الذي أدى إلى إشعال العامة، فأياً كانت درجة الصدق فيه فإن الأرواح في مجتمع محافظ ترخص إن مست الأعراض. وقبله وبعده كلام وكلام عن كلام قاله مسؤول في الدولة تم تفسيره بشكل أو بآخر واتخذ سبباً لتحريك الشارع، وغير هذه من أحداث ومواقف تتالت سريعاً فأضاعت الفرحة برمضان وأضاعت الأمل الذي برز للحظة مع قدوم الشهر الكريم.
الأكيد أن شهر رمضان سيمتلئ بالقصص والحكايات التي لن تؤدي إلا إلى تعقد المشكلة أكثر وأكثر، والأكيد أن الشهر الكريم سينتهي من دون أن نكون قد استفدنا منه في تقريب وجهات النظر والمصالحة. هذا يعني أن الحاجة اليوم باتت ماسة بشكل أكبر إلى «مبادرة شجاعة» تعين على الأقل على تجاوز القصص الصغيرة التي هي بمثابة مادة شاحنة ولتفتح الطريق نحو الحل الدائم، ذلك أن الحلول المؤقتة أو الترقيعية لن تجدي وسنجد أنفسنا في أي لحظة وقد عدنا إلى المربع الأول.
هل يعقل ألا يتمكن هذا الشعب المتعلم المثقف المؤمن الممتلئ عن آخره بالعقول النيرة والحكماء وذوي الخبرة والتجربة من الوصول إلى حيث النقطة التي يبدأ معها حل هذه المشكلة التي ليست الأولى ولا الوحيدة في تاريخ البشرية؟
الاستمرار فيما يجري الآن لن يوصل إلى شيء، ذلك أن النهاية لن تكون بخسارة وسقوط طرف من الطرفين وهزيمته. في المشكلة البحرينية لا يمكن لطرف أن يسقط الطرف الآخر مهما فعل ومهما طالت الفترة، لسبب بسيط، هو أن الطرفين لا يستطيعان أن يعيشا ويتطورا ويكبرا إلا معاً، فهذا قدرنا.
لا يمكن للنظام أن يلغي مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع ولا يمكن لـ «المعارضة» أن تلغي المكون الآخر أو تلغي النظام. فالأطراف كلها لبعضها البعض، وبالتالي فإن الحقيقة الأكيدة هي أنه مهما طالت المشكلة وامتدت وتعقدت لا يمكن حلها إلا بالنظر إلى الأمور بواقعية وبالتفاهم وتقديم التنازلات، لذا فإن الأفضل هو إيجاد حل اليوم قبل الغد ليوفر على الجميع الكثير لأن استمرار المشكلة يزيد من تعقدها، وتعقدها يؤخر حلها ويقلل من مكاسب الجميع.
«المعارضة» لن تتمكن من إسقاط النظام، والنظام لن يتمكن من إسقاط «المعارضة» أياً كان نوعها، كلاهما من القوة والمنعة ما يمنع من سقوطهما، والاستمرار في المواجهات لن يؤدي إلا إلى تعقد المشكلة. فهل من مبادرة شجاعة تنقذ هذا الوطن؟