لا يمكن لمواطن عربي ومسلم ألا يعتصره الألم مما نراه يحدث في مصر، ألمنا ممتد من سوريا إلى أرض الكنانة، ألمنا ليس على أحزاب أو من يحكم اليوم أو أمس أو غداً، ألمنا على مصر الدولة ومصر الشعب، ومصر الحضارة، ومصر العلماء ومصر العروبة ومصر الإسلام.
من يفرح لما يحصل اليوم في مصر، قد تدور الدوائر، ويأتي عليه الدور ضمن المشروع الأمريكي لاحتلال وتغيير وتقسيم المنطقة، هذا المشروع قائم ومستمر، وقادم على ما يبدو بعد مصر، فلا يفرح من يختزل المشهد في مصر بهزمة جماعة، الجماعة لا تهمنا، تهمنا مصر الدولة الكبيرة التي ترفع راية العروبة دائماً حتى وإن اختلفنا مع من يحكمها.
الذي فرح لاحتلال الميادين وتغيير الحكم فيها من خلال احتلال الميادين، عليه أن يقرب النظر قليلاً ليرى وضعه الداخلي، العاصفة أتت، ولو ببعيد، لكنها في المنطقة وقد تعود في أي وقت.
أحترم كثيراً الرجل الفاضل وزير خارجيتنا، وكنت أقول ومازلت إنه ووزير العدل، من أفضل المتحدثين الذين يمثلون الحكومة والدولة، لكني أنا وغيري من الناس عتبنا كثيراً على الأخ الكريم وزير الخارجية بعد تغريدة كتبها وأعتقد أنها نشرت بعد الإطاحة بمرسي، وتقول التغريده: «السح ادح امبوا.. ادي اواد لابوه.. يا عني الود بيعيط.. صعبان علي الواد.. الواد عطشان اسقوه».
ظننت أولاً أن حسابك مخترق، فهذه التغريدة تسيء إلى مقامك يا الشيخ خالد، لا ينبغي لوزير خارجية دولة أن يقول هذا الكلام حتى مع كل ما نختلف فيه مع حاكم مصر السابق، هذا حساب وزير خارجية، وما تقوله يصبح وكأنه رأي دولة وتوجه دولة، وهذا خطأ كبير لا ينبغي الوقوع فيه.
إن كنت تريد أن تكتب ما يروق لك بحرية، اعمل لك حساباً باسم مستعار، واكتب ما تريد من «السح ادح» أو أغاني «سعد الصغير»، لكن ما كتبته أساء إلينا جميعاً كبحرينيين باعتبارك وزير خارجيتنا، وأعود وأقول والله على ما أقول شهيد، إطلاقاً لا تعنيني أي توجهات لأحزاب في مصر، بل إني من أشد المنتقدين لممارسات الإخوان والعلاقات المشبوهة مع إيران.
أعود وأكررها ولا أعرف للمرة كم أعيدها، لكني سأظل أعيدها، وأنا مؤمن بها، إن من حفظ البحرين هو رب العباد، لا داخلية ولا جيش، ولا درع جزيرة، مع كل أهمية ودور كل ما سبق، ولا أسطول خامس «الذي ذهب إلى نزهة في بحر العرب» رب العباد حفظ البحرين بالرجال والشباب الذين يصلون الفجر في المساجد، وبدعاء النساء والفتيات اللاتي يسجدن لله في كل فرض.
نحن مازلنا في عين الحدث، من يظن أن وضعنا «تمام جداً» وأن كل شيء تحت السيطرة فهو واهم، فقد عانينا كثيراً في هذا الوطن من سوء تقدير الحسابات، وسوء تقدير المواقف، وعدم الحزم في تطبيق القانون وحفظ أمن البلد، وقد كلفنا كثيراً، حتى أن الدولة مكنت الانقلابيين من مفاصلها، واليوم الجميع يتفرج.
من يضمرون الشر للبحرين من خلال التحالف الإيراني الأمريكي، ما زالوا يخططون.. إذا نجحوا (لا سمح الله) فلن يكون النجاح بسبب قوتهم، فهم لا يخيفوننا إطلاقاً، لا هم ولا الرعاع بالداخل، إنما يقلقنا ضعفنا ومواقفنا التي لا نحسبها جيداً، وأننا لم نتعلم حتى اليوم من أقسى درس في تاريخ البحرين، وإننا مازلنا نسير في طريق يشبه طريق الدوار.
ما يدور في مصر حلقة من ضمن حلقات كبيرة، والهدف الرئيس هو السعودية، سوف يتم التوجه إليها بعد مصر، ومن لا يحسن القراءة ولا يحسن التحليل فإن هذه مشكلته لكنها مشكلة قد تضيع دول كبيرة قبل الصغيرة.
كتب إعلامي مصري وهو مذيع بقناة الجزيرة ومحسوب على الإخوان انتقادات لاذعة للرئيس مرسي وأنه لم يحسن إدارة الدولة ولا اختيار أناس أكفاء حوله، وهذا كلام صحيح إلى حد بعيد، وقد صدر من إعلامي إخواني في نقد يشبه النقد للذات، وهذا فعلاً ما حدث، بالإضافة إلى محاولة أخونة مناصب الدولة بنسبة كبيرة، وهذا أيضاً لم يكن فيه أي ذكاء، ولا حنكة سياسية.
نكتب بمرارة عما يحدث في مصر الحبيبة، وعن الفتنه هناك، والدماء التي تسيل، وعن جرحنا النازف في سوريا، العالم أصبح عالم غريب، الأحداث سريعة، يمر علينا العام، والأحداث فيه تشبه أحداث 3 أعوام.
زمن غريب جداً، الحاكم في طرفة عين يصبح في السجن، والذي في السجن يخرج، ويصبح رئيساً، وما إن يمضي عام، حتى يعود إلى السجن، من يستطيع أن يتخيل هذه الأقدار يوماً؟.. اللهم لطفك، الطف بنا وبحالنا.
سبحان الله يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده مقادير الأمور، ومن لا يلجأ إلى الله، ولا يتوكل عليه، ويعتمد على الغرب، عليه أن لا يأمن مكر الله، هو الملاذ في الرخاء قبل الشده، هو الناصر، هو الحامي، هو المعز، هو المذل، سبحانه لا إله غيره نشكو إليه ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس.