انتشر مؤخراً فيديو لفتاة تعرضت للاعتداء من بعض المشاركين في مسيرة الوفاق في سلماباد في 12 إبريل الجاري، تحكي الفتاة قصتها فتقول موضحة في البداية إنها «من الطائفة الشيعية وكانت عائدة لمنزلها، وأثناء مرورها في الشارع، صادفت مسيرة ظنتها في البداية تجمعاً بالقرب من «فرشات» لبيع الخضر وما إلى ذلك، كانت قد تعودت أن تراها منصوبة أحياناً في نفس الشارع، ولما اقتربت اتضح لها أنها مسيرة للوفاق»، عموماً تقول الفتاة إنها «كانت على عجلة لأمر خاص بأطفالها الموجودين في المنزل».
تضيف: «نظرت أمامي ولأن سيارتي «جيب» استطعت أن أرى بضع سيارات فقط وأمامهم الطريق سالك تقريباً، استخدمت منبه السيارة كي يسمح لي بالمرور،, فاقترب شاب لا يتعدى 15 عاماً وطلب مني الانتظار حتى انتهاء المسيرة وحينها لاحظ في مرآة سيارتي صورة معلقة للملك، فما كان منه إلا أن أدخل يديه داخل السيارة وانتزع الصورة وبدأ يرفع صوته بعبارات التسقيط، وتبعته على إثرها مجموعة واقفة مرددة نفس العبارات وإذ بآخرين يشهدون الموقف فيقتربون من السيارة بغضب، ودون معرفة طبيعة ماحدث، مهددين وملوحين بأيديهم ومنهم من يضرب بيده جسم السيارة!!». ارتبكت الفتاة فحاولت السير للأمام والخلف حتى تخرج نفسها من هذا الموقف المرعب لأي نفس مسالمة لم تعتد التواجد في هكذا مواقف، فظن بعض الموجودين في الحشد أنها تحاول أن تخترقهم بالقوة وستعرضهم للدهس، فما كان من نفر منهم - دون الوقوع في خطأ التعميم - إلا أن قام برمي الحجارة على سيارتها وإيقافها، تضيف الفتاة التي عبثاً حاولت أن تتمالك دموعها فتقول: «استجمع «ذكر» كل ذكورته فصفعني على وجهي تلاه ذكر آخر شدته البطولة الذكورية فصفعني مرة أخرى، وشد البعض ملابسي فسقط حجابي عن رأسي!! كما سقط أخلاقياً كل الذين شهدوا هذه الحادثة ولم يسارعوا للدفاع عن حرمة امرأة ولم يمنعوا بعض الذكور من الاعتداء عليها!!».
هذه هي قصة تلك الفتاة، وهي توضح بجلاء ما وصلنا إليه نتيجة النفخ في مزامير الفتنة وشحن القلوب بالغيظ والكراهية والطائفية، فتغيرت أخلاق الناس وتبدلت طباعهم وغابت نخوتهم، نعم فلو حدث لها ذلك قبل فتنة 2011 لوجدت ألف رجل ذي نخوة ليدافع عنها، دون أن يسأل أو يكترث لطائفتها وموقفها السياسي أو من أي منطقة هي، كانت ستجد رجالاً حقيقيين من أي قرية أو مدينة بحرينية، ستظهر شهامتهم ومعدنهم الأصيل وسيحافظون على كرامتها وعفتها كما يحافظون على أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، نعم لو صرخت هذه المرأة بأي لهجة بحرينية مستنجده لجاءها العون في لحظة ولدفع ذلك «الذكر» الذي صفعها ثمناً غالياً ولسقط من أعين الرجال، فما الذي حدث وما الذي أصاب النخوة حتى تضرب فتاة في مكان عام وأمام حشد كبير فلا تجد لها ناصراً.
هزتني قصتها وأنا أستمع لها وتساءلت، لماذا لم أرَ أحداً من أبطال مواقع التواصل الاجتماعي المتفرعنين يدافع عنها ولو بحرف؟ وأين رسل حقوق الإنسان الذين صدعونا بتغريداتهم؟ لماذا لم يتصدوا للدفاع عنها وكتابة التقارير للمنظمات الدولية؟ ماذا لو كانت هذه الفتاة تعرضت لذلك مثلاً لأنها تضع شعاراً لـ «الوفاق» ومرت بالقرب من جماعة تخالفها الموقف والرأي السياسي، ألم نكن سنشهد حملة واسعة للمتجارة بها وتصريحات في لندن وجنيف وواشنطن ولبنان وكل مكان!!
حسناً لنقلب الآية، ماذا لو كانت هذه الفتاة من الطائفة «السنية»، كنا سنجد أيضاً حملة دفاع واسعة، و»هاش تاج» يطالب بالفزعة لها ولكل نساء الطائفة!!
نعم ذكرتني قصتها بقصة زهرة رحمة الله عليها، التي أعتبرها المؤزمون شهيدة حينما اعتقدوها «من الطائفة الشيعية» واعتبرها الطرف الآخر مخربة، فلما تبين أنها «من الطائفة السنية» تبدل حال جماعات من الطرفين من المتشبعين بروح الطائفية!! ولم ينظر أحد الى إنسانيتها وكونها روح مسلمة لها حرمتها، نسوا أنها بحرينية بريئة جرها قضاؤها لأن تمر صدفة لحظة وجود أعمال تخريب أدت لمواجهة مع رجال الأمن!!
ما أعرفه أن أخلاقنا الإسلامية العربية البحرينية الأصيلة تمنعنا من التعرض بالقول أو الفعل أو التشهير بأي امرأة مهما كان اختلافنا معها، هكذا علمنا الآباء والأجداد، وهكذا كانت تعاليم وأخلاق رسولنا صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وصحابته رضي الله عنهم أجمعين، فما الذي حدث؟! ما الذي تغير فينا؟! ما الذي أحدثته هذه الفتنة في نفوسنا؟! يا لحجم الخسارة!!
شريط إخباري:
أختم بسؤال أنهت به تلك السيدة حديثها، فقالت بالحرف: «أما بالنسبة لعلي سلمان اللي نظم هالمسيرة واللي نظم مسيرات مثلها، الظاهر ماعندك أي سيطرة على الناس اللي يتبعونك، ليش ما طلعتوا تصريح إن اللي صار غلط، المفروض تعتذرون مني، وإذا إنت تقول إن إحنه حرائركم!! وين كنت لما صار فيني هلون؟ انطقيت وانهنت وسيارتي كسروها، هذي الرجولة هذي النخوة؟!
انتهى حديثها وأنا بدوري أسأل، هل ننتظر الكارثة بوقوع الأسوأ بين أبناء الوطن الواحد؟!