استوقفني أحد القراء المدمنين على قراءة «الوطن» وخاصة «ملفى الأياويد» ليبثني معاناته، بداية أمطرني بكلمات الإطراء والثناء لما أكتبه في «فنجاني» كل جمعة.
وقال المواطن العزيز فيما قاله إن «الوطن» أصبحت مفتاحاً لا نستغني عن حمله أينما توجهنا، فيها الكثير من معاناة تحوم بدواخلنا وأنت في «فنجانك» دائماً ما تخلط الهيل بالبن بزيادة فضفضة وقهر لتخلصنا من «حجي» يدور بداخلنا، ولا ندري كيفية إيصاله إلى المسؤولين «مسؤولي العازة»، فلا منهم نفع ولا فيهم فايدة تذكر، ولا فاجؤونا بها واتخذوا القرار الذي يبرد القلب يعني «حجيهم» مثل أفعالهم كله «سبايسي».
حاولت أن أرد له الشكر على مديحه لـ»الوطن» وابنها «الملفى» وصغيرها «الفنجان» الذي ما وجد إلا كي يجلب لقرائه الفرح ويشفيهم من الكثير من أمراض «القهر» والحساسية، قلت له مشكلتك وين يا عزيزي، ولم يفكر في الإجابة عن سؤالي «في مخباي» وعداوته الواضحة للراتب بدت وتدفقت مع كلماته الأولى، قال.. أنا أنتظر قدومه «الراتب» واحداً وثلاثين يوماً وما أن «يحل» حتى تجدني في نشاط غير عادي، تقول شارب «ريد بول»، وصارت عندي جوانح فأكره النوم والأكل في البيت وتجدني كله متلبس و»آبي أفتر» في المجمعات ومن فيلم إلى فيلم ومن مطعم إلى آخر، يعني مثل اللي فيه فقرت شهر مادش سينما ولا كل «ويبه» سنعه عشاي باجلة ونخي وإذا تفلسفت خذيت لي بثلاث مائة فلس سنبوسة، وإذا خرطيته كلش كلش ساندويش شاورمة وعصير فريش.
أنا أعتبر الإنسان اللي بداخلي واللي يظهر بداية الشهر مع الراتب مثل عفريت الفانوس السحري، من يوصل الراتب يفركون الفانوس ويظهر العفريت ويتم ايريرني من مكان لي مكان حتى ربعي أنقطع عنهم وأهلي أواصلهم بالرسايل والتليفون ما يصير عندي وقت أضيعه بالسوالف والسلامات.
لكن عاد تعال لي بعد أسبوع مجرد ما يتناصف الشهر إلا وآنه في حال آخر رايح ياي أفتش في جيوبي يمكن نسيت فلوس في هالثوب ولا في الثاني لكن لا هذا نفعني ولا الثاني بشرني الجيوب نظيفة، وصارت تكسر الخاطر وتشكي الحال، حتى آني أسأل أم العيال يوم تغسلون ثيابي ما لقيتوا فيها فلوس ولا حتى «خردة» عيل وين راحت فلوسي وأقعد أضرب أخماس في أسداس وأبدأ في العودة للربع «هاه وين الليلة في أي ميلس بتلاقون ولا أي قهوة بتيتمعون فيها».
مشكلة البحرينيين مع الراتب ستكون مسلسلاً لا تنتهي حلقاته تلاقيهم بداية الشهر متروسين نشاط وبرامج و»شوبنج» وعزايم وسهرات، وبعد أسبوع واحد فيهم تقول سيارة وخلص بترولها لا حركة ولا ضحكة وتبدأ المشاكل والهوشات و»المعاير» كل يرمي بالسبب في نفاذ الراتب على الآخر، وكثيراً ما تسببت مثل هالهوشات بالطلاق وخراب البيوت، لكن عندما نبحث عن الحل نسأل عن المدعو «الراتب» وينك يا حبيبي الراتب لا تطول الغيبات ولا تبتعد عني «خلك قريب مني واللي تبيه سوه سوه تو النهار توه».
مع الاعتذار للصديق الفنان أحمد الجميري، يعني الناس مقسمين حياتهم بداية الشهر الضحكة شاقة الحلق ودوارة وبرامج مالها نهاية، وبعد أول أسبوع كل واحد فاتح «الواتس آب» ويشكي حاله حق «الجروب» اللي معاه، وتلاقيه مأذيهم من كثر ما يطحن على الراتب وكم باقي من الشهر، وكل يوم يشخط في الكلندر ويقول «كأن الأيام ما تتحرك شالسالفة أهي واقفة ولا أنا مستعيل أكثر من اللازم» ويبدأ يدندن بأغنية «أنا بانتظارك مليت».
البعض يشكي الحال من أمور كثيرة فالمشكلة ليست بتأخر الراتب، لكن هناك أموراً أخرى إذا قررت تأخذ العائلة في طلعة فأين لك أن تأخذهم فلا شاليهات مثل باقي البلدان ولا استراحات عائلية ولا حتى مطاعم الله عادله فآجار الشاليهات أصبحت تحسب عليك بالعدد، يعني كل خمسة أشخاص يتم تأجيرهم الشاليه وكل زيادة في العدد تدفع فيها دينارين، فما بالك إذا كانت عائلتك تتجاوز العشرين شخصاً يعني راحت عليك، وإن قررت أخذهم إلى السينما فكل واحد بثلاثة دنانير يعني إذا كانت عائلتك تجاوزت العشرة فأحسن لك تشتري فيلم من «سوق المقاصيص» وتشوفه في البيت على «دي في دي» وشوية حب شمسي وسنبل حار من «بوراشد» تحل لك الموضوع وتمشي اللعبة.
مشكلة الراتب في البحرين أصبحت قضية لا أظن لها نهاية، فقد ينقرض البحرينيون حالهم حال الديناصورات والراتب هوه هوه لن يتحلحل من مكانه، وستأتي أجيال بعد أجيال تناقش نفس المشكلة ويأتون لهم نواب يوعدونهم اليوم ويتنكرون لهم غداً ويبقى المسلسل في حلقات لا تنتهي «وينك حبيبي الراتب» ويا واحشني رد عليه إزيك سلامات، ولكن لا حياة لمن تنادي.
الرشفة الأخيرة
التجار يزيدون غنى والفقراء يزدادون فقراً.. فهل يكون رمضان بكرمه هو من يصلح الحال ما بين الاثنين ويصالح فيما بينهم وينهي خصومات طويلة استمرت عقوداً من الزمن، ولو لشهر واحد في السنة.