قام الرئيس الصيني شي جينبنج بزيارة للولايات المتحدة لمدة يومين 7-8 يونيو 2013، وهي الأولى منذ توليه السلطة في مارس 2013، وقد جاءت هذه الزيارة لتعبر عن ثلاث حقائق مهمة:
الأولى: حرص كل من الرئيسين على الالتقاء لمزيد من التعارف وبناء علاقات طيبة بين أكبر دولتين في الاقتصاد والتجارة العالمية، وهما الصين والولايات المتحدة، وذلك قبل لقائهما المترقب في القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين في موسكو سبتمبر المقبل. فالولايات المتحدة يبلغ حجم إنتاجها المحلي الإجمالي أكثر من 16 تريليون دولار سنوياً مقابل الإنتاج المحلي الإجمالي للصين الذي يزيد عن 10 تريليون دولار سنوياً، أما حجم تجارة الصين فهو 3.87 تريليون دولار سنوياً، وحجم تجارة الولايات المتحدة فهو 3.52 تريليون دولار من السلع فقط باستثناء تجارة الخدمات.
الثانية: إن ممارسة السياسة الدولية والعلاقات السياسية تقوم على الفهم المتبادل والتعاون المشترك بين الدول وذلك لمصلحة الدولتين ولمصلحة الأمن والسلام العالمي، حيث يسود العالم حالة غير مسبوقة من الترابط والتقارب في المصالح نتيجة العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات، كما ذكر سفير الصين في واشنطن في لقاء صحافي مع رجال الإعلام قبل الزيارة.
الثالثة: إن التقاء قائدي أكبر دولتين في العالم وهما يبحثان عن المجالات المشتركة للتعاون لا يعني بأي حال من الأحوال أنهما يتجاهلان ما بينهما من قضايا خلافية، لكنهما يغلبان القواسم المشتركة على الخلافات بينهما في قضايا مهمة لكل من الطرفين، وهذا دليل على النضج السياسي للقادة وزعماء الدول بعيداً عن الميول والأهواء الشخصية، وذلك بالتركيز على كيفية إدارة الخلافات من ناحية، والتركيز على المصالح المشتركة من ناحية أخرى.
وقد حرص الرئيس الأمريكي أوباما أن يحيط الزيارة بجو من المودة والبعد عن الرسميات؛ حيث اجتمع الزعيمان في مقاطعة صني لاندز في ولاية كاليفورنيا وهي تتمتع بمناخ جميل، واستقبل الرئيس الصيني في المطار كل من محافظ كاليفورنيا وعمدة لوس أنجلوس والسفير الصيني تسيو تيانكاي، وهو من المتخصصين في الشؤون الأمريكية وسبق أن رافق الرئيس شي في زيارته الأولى للولايات المتحدة في فبراير عام 2012 عندما كان نائباً للرئيس، وصرح السفير بأن لقاء الرئيسين شي جينبنج واوباما يُعد لقاء تاريخياً واستراتيجياً وأن الرئيسين سيجريان مباحثات معمقة ويتبادلان الآراء حول العلاقات الثنائية والقضايا العالمية والإقليمية .
وقد جرت جولتان من المباحثات غير الرسمية بين الرئيسين تناولت العلاقات الثنائية وأهمية تعزيزها، وقد طرح الرئيس الصيني مفهوم إقامة نمط جديد من العلاقات بين الدولتين يقوم على نقاط أربع هي:
1. إن كلا الدولتين تحتاجان لدفع الحوار بينهما لبناء الثقة المتبادلة ومأسسة اجتماعات قادة الدولتين والاستفادة من آليات الحوار والتواصل بينهما والتي تزيد على 90 آلية تشمل مختلف جوانب العلاقات.
2. فتح آفاق جديدة للتعاون البراجماتي وأن تأخذ الولايات المتحدة إجراءات فعالة وملموسة لتخفيف القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا للصين وتنمية التجارة والاستثمار لبناء علاقات متوازنة.
3. إيجاد وسيلة جديدة للتفاعل والتعامل بين الدول الرئيسة؛ حيث تحتاج الدولتان للمحافظة على التنسيق والتعاون بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية وأفغانستان والقضايا العالمية الساخنة، وأن يعملا معا لمواجهة قضايا القرصنة والجريمة عبر الحدود وحفظ السلام، والإغاثة في الكوارث، والأمن الالكتروني والتغير المناخي وامن الفضاء.
ضرورة إيجاد وسيلة لكيفية إدارة خلافات الطرفين وبناء علاقات عسكرية جديدة وفقا للنمط الجديد في الروابط بين القوى ولخص مستشار مجلس الدولة يانج جياتشى المفهوم الرئيسي الصيني لنمط جديد من العلاقات بين الدولتين بأنه يقوم على ثلاثة مفاهيم هي «لا صراع أو مواجهة، الاحترام المتبادل، التعاون لتحقيق مكاسب للجانبين».
وأضاف أن رد الفعل الأمريكي كان ايجابيا وأن الرئيس الأمريكي أكد أن بلاده تولى اهتماما لعلاقاتها مع الصين وعلى استعداد لبناء نمط جديد من التعاون يقوم على المنافع المتبادلة والاحترام المتبادل والتعامل المشترك مع التحديات العالمية. أما مستشار الأمن الوطني الأمريكي توم دونيلون، وهو الشخصية التي لعبت دوراً محورياً في ترتيب اللقاء والتباحث مع الجانب الصيني وشارك في اجتماعات الرئيسين، فقال إن المناقشات كانت ايجابية وبناءة وشملت عديداً من القضايا وكانت ناجحة في الوصول للأهداف المرجوة منها.
ونسوق بعض الملاحظات حول الزيارة..
الأولى: إن الصين تسعى لبناء ما أسمته «نمط جديد في العلاقات الدولية» إن المقصود هو الدولتين أي الصين والولايات المتحدة، وهذا أيضاً هو معنى مضمون الفقرة الثالثة من المقترح الصيني، وإن كان يمكن توسيعه ليشمل الدول الرئيسة الأخرى مثل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن واليابان وألمانيا وبعض دول البريكس مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وهذا سوف يعطي الانطباع بعودة مفهوم التوازن الدولي في حالة المجموعة الأوسع أو الاستقطاب الثنائي في حالة اقتصاره على الدولتين.
الثانية: إن العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية هي علاقات متشابكة ومتداخلة بحيث لا يمكن لأي منهما أن تستغنى عن الدولة الأخرى، وإلا فسوف يحدث انهيار اقتصادي لن تقتصر أثاره عليهما بل يمتد للاقتصاد العالمي (الاستثمار - التجارة - حركة الأموال العالمية). و نفس الشيء بالنسبة للعلاقات العسكرية والسياسية فإن أي خلل فيها سيؤدي لكارثة دولية ومن هنا أهمية النقاط الأربع التي شملتها المبادرة الصينية.
الثالثة: إن هذه المبادرة تضمن مكانة متميزة للصين على المستوى الدولي حتى وإن اتسعت المجموعة التي تضمها، نجد ما أشرت في الملاحظة الأولى وهي في نفس الوقت تضمن استمرار الولايات المتحدة كقوة أولى تليها الصين، ثم تأتي المجموعة الباقية في المقام الثاني وهذا يحدث تراتبية جديدة في العلاقات الدولية تعكس القوتين الاقتصادية والعسكرية وتعبر عن النظرية الواقعية الجديدة في السياسة الدولية.
الرابعة: إن منهج إدارة العلاقات الأمريكية الصينية هو منهج براجماتي يقوم على الواقعية ويتناسى المبادئ وبالتركيز على المنفعة و المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل وعدم التورط في نزاعات بينهما بوجه خاص، أو دولية بوجه عام، ولعل موقف الصين والولايات المتحدة من الأزمة السورية قد يشير لمثل هذا التوجه، كذلك موقفهما مما يسمى بالربيع العربي ودوله.
الخامسة: إن الفترة القادمة سوف تشهد تكثيفاً للقاءات بين الجانبين الأمريكي والصيني على مستوى القمة في موسكو في مجموعة الـ 20 وبعد ذلك في قمة آسيا الباسيفيك وزيارة للرئيس الأمريكي للصين بعد ان تبلور الآليات المشتركة بعض أفكار جديدة ومجالات جديدة للتعاون تحقق نقلة نوعية وتضع اطر واقعية للشراكة التعاونية الجديدة بين الدولتين.
السادسة: من الملفت للنظر أن معظم وسائل الإعلام أو تصريحات المسؤولين من الجانبين التي أشارت للمباحثات لم تتعرض للشرق الأوسط، والذي يبدو أنه ليست له أولوية حقيقية في القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يدعونا لحث أصحاب القرار بل ومراكز الأبحاث العربية للبحث عن تقييم للأوضاع والأهمية العربية هل هي إقليمية فقط؟ أو هي مجرد نفط وغاز وسوق وأموال؟ أم هي ذات أهمية استراتيجية عالمية؟ ونفس الشيء ينطبق على الوضع في أفريقيا إلى حد كبير.
{{ article.visit_count }}
الأولى: حرص كل من الرئيسين على الالتقاء لمزيد من التعارف وبناء علاقات طيبة بين أكبر دولتين في الاقتصاد والتجارة العالمية، وهما الصين والولايات المتحدة، وذلك قبل لقائهما المترقب في القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين في موسكو سبتمبر المقبل. فالولايات المتحدة يبلغ حجم إنتاجها المحلي الإجمالي أكثر من 16 تريليون دولار سنوياً مقابل الإنتاج المحلي الإجمالي للصين الذي يزيد عن 10 تريليون دولار سنوياً، أما حجم تجارة الصين فهو 3.87 تريليون دولار سنوياً، وحجم تجارة الولايات المتحدة فهو 3.52 تريليون دولار من السلع فقط باستثناء تجارة الخدمات.
الثانية: إن ممارسة السياسة الدولية والعلاقات السياسية تقوم على الفهم المتبادل والتعاون المشترك بين الدول وذلك لمصلحة الدولتين ولمصلحة الأمن والسلام العالمي، حيث يسود العالم حالة غير مسبوقة من الترابط والتقارب في المصالح نتيجة العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات، كما ذكر سفير الصين في واشنطن في لقاء صحافي مع رجال الإعلام قبل الزيارة.
الثالثة: إن التقاء قائدي أكبر دولتين في العالم وهما يبحثان عن المجالات المشتركة للتعاون لا يعني بأي حال من الأحوال أنهما يتجاهلان ما بينهما من قضايا خلافية، لكنهما يغلبان القواسم المشتركة على الخلافات بينهما في قضايا مهمة لكل من الطرفين، وهذا دليل على النضج السياسي للقادة وزعماء الدول بعيداً عن الميول والأهواء الشخصية، وذلك بالتركيز على كيفية إدارة الخلافات من ناحية، والتركيز على المصالح المشتركة من ناحية أخرى.
وقد حرص الرئيس الأمريكي أوباما أن يحيط الزيارة بجو من المودة والبعد عن الرسميات؛ حيث اجتمع الزعيمان في مقاطعة صني لاندز في ولاية كاليفورنيا وهي تتمتع بمناخ جميل، واستقبل الرئيس الصيني في المطار كل من محافظ كاليفورنيا وعمدة لوس أنجلوس والسفير الصيني تسيو تيانكاي، وهو من المتخصصين في الشؤون الأمريكية وسبق أن رافق الرئيس شي في زيارته الأولى للولايات المتحدة في فبراير عام 2012 عندما كان نائباً للرئيس، وصرح السفير بأن لقاء الرئيسين شي جينبنج واوباما يُعد لقاء تاريخياً واستراتيجياً وأن الرئيسين سيجريان مباحثات معمقة ويتبادلان الآراء حول العلاقات الثنائية والقضايا العالمية والإقليمية .
وقد جرت جولتان من المباحثات غير الرسمية بين الرئيسين تناولت العلاقات الثنائية وأهمية تعزيزها، وقد طرح الرئيس الصيني مفهوم إقامة نمط جديد من العلاقات بين الدولتين يقوم على نقاط أربع هي:
1. إن كلا الدولتين تحتاجان لدفع الحوار بينهما لبناء الثقة المتبادلة ومأسسة اجتماعات قادة الدولتين والاستفادة من آليات الحوار والتواصل بينهما والتي تزيد على 90 آلية تشمل مختلف جوانب العلاقات.
2. فتح آفاق جديدة للتعاون البراجماتي وأن تأخذ الولايات المتحدة إجراءات فعالة وملموسة لتخفيف القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا للصين وتنمية التجارة والاستثمار لبناء علاقات متوازنة.
3. إيجاد وسيلة جديدة للتفاعل والتعامل بين الدول الرئيسة؛ حيث تحتاج الدولتان للمحافظة على التنسيق والتعاون بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية وأفغانستان والقضايا العالمية الساخنة، وأن يعملا معا لمواجهة قضايا القرصنة والجريمة عبر الحدود وحفظ السلام، والإغاثة في الكوارث، والأمن الالكتروني والتغير المناخي وامن الفضاء.
ضرورة إيجاد وسيلة لكيفية إدارة خلافات الطرفين وبناء علاقات عسكرية جديدة وفقا للنمط الجديد في الروابط بين القوى ولخص مستشار مجلس الدولة يانج جياتشى المفهوم الرئيسي الصيني لنمط جديد من العلاقات بين الدولتين بأنه يقوم على ثلاثة مفاهيم هي «لا صراع أو مواجهة، الاحترام المتبادل، التعاون لتحقيق مكاسب للجانبين».
وأضاف أن رد الفعل الأمريكي كان ايجابيا وأن الرئيس الأمريكي أكد أن بلاده تولى اهتماما لعلاقاتها مع الصين وعلى استعداد لبناء نمط جديد من التعاون يقوم على المنافع المتبادلة والاحترام المتبادل والتعامل المشترك مع التحديات العالمية. أما مستشار الأمن الوطني الأمريكي توم دونيلون، وهو الشخصية التي لعبت دوراً محورياً في ترتيب اللقاء والتباحث مع الجانب الصيني وشارك في اجتماعات الرئيسين، فقال إن المناقشات كانت ايجابية وبناءة وشملت عديداً من القضايا وكانت ناجحة في الوصول للأهداف المرجوة منها.
ونسوق بعض الملاحظات حول الزيارة..
الأولى: إن الصين تسعى لبناء ما أسمته «نمط جديد في العلاقات الدولية» إن المقصود هو الدولتين أي الصين والولايات المتحدة، وهذا أيضاً هو معنى مضمون الفقرة الثالثة من المقترح الصيني، وإن كان يمكن توسيعه ليشمل الدول الرئيسة الأخرى مثل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن واليابان وألمانيا وبعض دول البريكس مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، وهذا سوف يعطي الانطباع بعودة مفهوم التوازن الدولي في حالة المجموعة الأوسع أو الاستقطاب الثنائي في حالة اقتصاره على الدولتين.
الثانية: إن العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية هي علاقات متشابكة ومتداخلة بحيث لا يمكن لأي منهما أن تستغنى عن الدولة الأخرى، وإلا فسوف يحدث انهيار اقتصادي لن تقتصر أثاره عليهما بل يمتد للاقتصاد العالمي (الاستثمار - التجارة - حركة الأموال العالمية). و نفس الشيء بالنسبة للعلاقات العسكرية والسياسية فإن أي خلل فيها سيؤدي لكارثة دولية ومن هنا أهمية النقاط الأربع التي شملتها المبادرة الصينية.
الثالثة: إن هذه المبادرة تضمن مكانة متميزة للصين على المستوى الدولي حتى وإن اتسعت المجموعة التي تضمها، نجد ما أشرت في الملاحظة الأولى وهي في نفس الوقت تضمن استمرار الولايات المتحدة كقوة أولى تليها الصين، ثم تأتي المجموعة الباقية في المقام الثاني وهذا يحدث تراتبية جديدة في العلاقات الدولية تعكس القوتين الاقتصادية والعسكرية وتعبر عن النظرية الواقعية الجديدة في السياسة الدولية.
الرابعة: إن منهج إدارة العلاقات الأمريكية الصينية هو منهج براجماتي يقوم على الواقعية ويتناسى المبادئ وبالتركيز على المنفعة و المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل وعدم التورط في نزاعات بينهما بوجه خاص، أو دولية بوجه عام، ولعل موقف الصين والولايات المتحدة من الأزمة السورية قد يشير لمثل هذا التوجه، كذلك موقفهما مما يسمى بالربيع العربي ودوله.
الخامسة: إن الفترة القادمة سوف تشهد تكثيفاً للقاءات بين الجانبين الأمريكي والصيني على مستوى القمة في موسكو في مجموعة الـ 20 وبعد ذلك في قمة آسيا الباسيفيك وزيارة للرئيس الأمريكي للصين بعد ان تبلور الآليات المشتركة بعض أفكار جديدة ومجالات جديدة للتعاون تحقق نقلة نوعية وتضع اطر واقعية للشراكة التعاونية الجديدة بين الدولتين.
السادسة: من الملفت للنظر أن معظم وسائل الإعلام أو تصريحات المسؤولين من الجانبين التي أشارت للمباحثات لم تتعرض للشرق الأوسط، والذي يبدو أنه ليست له أولوية حقيقية في القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يدعونا لحث أصحاب القرار بل ومراكز الأبحاث العربية للبحث عن تقييم للأوضاع والأهمية العربية هل هي إقليمية فقط؟ أو هي مجرد نفط وغاز وسوق وأموال؟ أم هي ذات أهمية استراتيجية عالمية؟ ونفس الشيء ينطبق على الوضع في أفريقيا إلى حد كبير.