ليس أسهل من التدمير وليس أصعب من البناء، التدمير سهل ويمكن أن يتم اليوم في ثانية، لكن الصعب هو أن تبني. البناء هو مقصد الرجال وليس الهدم والتدمير، فليس في هذا الأخير رجولة وإن لم يخل بعضه أحياناً من «الإبداع»!
في المقابلة التي أجرتها مع جلالته أخيراً مؤسسة فيمان للصحافة بجامعة هارفرد قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة معلقاً على ما يقوم به البعض من أعمال تخريب «من السهل أن تدمر لكن من الصعب أن تبني»، فالميدان -حيث الرجولة والوطنية- لمن يريد البناء، فلا رجولة لمن يهدم ويخرب ويدمر.
المساهمة في البناء لا تكون بالتحريض على العنف ولا بالتحريض على مقاطعة الانتخابات، وهي بالتأكيد لا تكون بتخريب الشوارع والتصفيق لمن يمارس الخطأ من الأبناء الذين مكانهم مدارسهم وأحضان أمهاتهم، ولا بتشجيعهم بعد كل عملية تخريب بالقول «سلمت أيديكم» حيث اليد المخربة لا تستحق التشجيع وإنما القطع والضرب عليها بيد من حديد.
المساهمة في البناء لا تكون بعقد المؤتمرات في الخارج وتشويه سمعة البحرين عبر المبالغة في القول وتقديم معلومات غير دقيقة، ولا تكون بالصراخ عبر الفضائيات السوسة التي تشجع على الغلط وتفرح لكل تصريح وخبر يسيء إلى البحرين وحكومتها.
البناء لا يكون بالتلذذ في توجيه السباب والشتائم والإساءة إلى كل مختلف مع «المعارضة»، ولا يكون بنشر الإشاعات كالتي انتشرت أخيراً بغرض الإساءة إلى رجال الأمن بإلصاق تهمة اغتصاب امرأة بحرينية به ثم السكوت والتوقف عن أي كلام بعدما تبين أن ما ركضوا به كان إشاعة مغرضة والاكتفاء بالقول إنهم أخطأوا.
حتى البناء السلبي -وأعني به مجرد التعليق على فعل خاطئ بالقول إنه خاطئ أو لا يجوز- تبتعد «المعارضة» عنه، فلم نسمع مثلاً أي تصريح من أي فرد محسوب عليها ينتقد ما قام به أحد المغرر بهم في لندن قبل أيام عندما اجتاز حدوده واستغل قوانين البلاد التي تستضيفه ودخل إلى ساحة مهرجان ويندسور للفروسية الذي أقيم برعاية البحرين وحضره العاهل المفدى في محاولة يائسة لصنع «بطل»، فلم «تتجرأ» الجمعيات السياسية بإدانة هذا الفعل الشنيع ولم تعلق عليه، وهو ما يفهم منه تأييدها لهكذا سلوكيات. وللتذكير فقط فإن الجمعيات السياسية لم تكلف نفسها ولو بتصريح فقير عندما استعرض اثنان ممن قررا الإقامة في الخارج «قدراتهما» بالتواجد فوق سطح سفارة المملكة في لندن.
ليس في ما تفعله «المعارضة» بناء ولكنه هدم وتخريب وتدمير لأساسات مجتمعية وقيم ووطن ظل أهله طويلاً مثالاً للتعايش. لكن الموضوع لا ينبغي أن ينتهي هنا، فلا بد من مواجهة «المعارضة» وإفهامها أن ما تقوم به أو ما يقوم به البعض وتسكت عنه يندرج في باب التخريب والهدم والتدمير وليس في باب البناء ولا الوطنية، فليس من الوطنية اعتراض موكب رسمي وليس من الأخلاق السكوت عن فعل خاطئ حيث السكوت هنا موافقة على الفعل وتشجيع للفاعل.
ما تقوم به «المعارضة» سواء بمشاركتها في الأفعال الخاطئة أو بسكوتها عنها ومحاولة دفن رأسها في الرمال خطأ كبير محسوب عليها ولا بد من تنبيهها كي تصحح نفسها، حيث «المعارضة» الحقيقية في كل مكان فعل بناء وليست أداة هدم سواء بالمشاركة أو بالتشجيع. ينبغي من «المعارضة» أن تقف في وجه الخطأ وإن كان مرتكبوه من المحسوبين عليها، فلا مجاملة في ما يخدش الوطن ويجرحه، وطالما أن الجمعيات السياسية تعمل تحت مظلة القانون فلا أقل من أن يكون لها موقف واضح في مثل هذه الأحوال ليكون لها مكانة ومصداقية.