عندما تتكلم أو تكتب فإنك تعبر عن نفسك، وفي أحيان كثيرة تكشف الوجه الحقيقي لنوعية التربية التي تلقيتها، وفي العموم فإن كل ما يصدر منك هو في الواقع يمثل قيمتك وحجمك وطبيعة معدنك.
من هنا قيل بأن «قيمة كل امرئ ما يحسنه»؛ فإن صدر منك الخير فأنت من الأخيار، وإن صدر منك الشر فأنت من الأشرار، ولذلك قيل أيضاً «كل إناء بالذي فيه ينضح»، ومن هذا المنطلق فإن التصنع بجميل الفعل والقول لا ينفي أن يكون الإنسان سيئاً، لأن المختبر الحقيقي لمعرفة الرجال هي الحياة، وكلما زادت نسبة الاختبار وقوته تكشَّفتْ لنا حقيقة البشر.
من الضروري أن يُحسن الإنسان اختيار أقواله وأفعاله، لأنها في نهاية المطاف سوف تنسب إليه، وربما تنسب لمن قام بتربيته، لذلك من الضروري أن نختار مفرداتنا ونوعية ممارساتنا حتى لا نُتَّهم في أمر سيئ نحن صنعناه بإرادتنا.
ما يدعونا للحديث في هذا الاتجاه هو ما يقوم به بعض من العابثين بوعي الناس، وعبر ما يمارسه هؤلاء في مواقع التواصل الاجتماعي من أمور يندى لها الجبين، فالواقع السياسي على سبيل المثال كشف كلّ من الشتامين والسبابين والمخرفين والمهرجين، حتى بانت حقيقة معادنهم وجوهر تربيتهم، فمع أول امتحان في تلك المواقع سقط الكثيرون وانفضح آخرون وهوت أقنعة تغطي وجوهاً يملؤها الحقد والقبح. مؤخراً وفي مواقع التواصل الاجتماعي انكشف زيف من جعل من نفسه نبي الأخلاق والقيم، وبعضهم لم يستطع مقاومة الصمت الأخلاقي، فبدؤوا بممارسة هواية السب والقذف والافتراء ضد كل من يختلفون معهم، ليؤكدوا لنا مرّة أخرى أن «قيمة كل امرئ ما يحسنه».
هؤلاء لم يحسنوا سوى صناعة الكراهية، والتثبيط للاتجاه نحو كل ما هو جميل، ومن المعروف أنهم أصبحوا ومن خلال تواجدهم المستمر في مواقع التواصل الاجتماعي رُسل خراب وفوضى ودمار في وسط المجتمع.
لا شك أن كثيراً منهم لم يحصل على القدر الكافي من التربية، كما لا نشك أن الكثير منهم مأجورون، فما يقوم به بعضهم من عمل منظم ضد القيم المجتمعية والفضائل الإنسانية ليس أمراً اعتباطياً أو من باب المصادفة، فنحن لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة، إذ ما يحصل أمامنا اليوم هو عبارة عن أعمال تسير وفق إرادات فتنوية محضة، لتُوجه ضربة قاصمة للسِّلم الأهلي والمثل العليا بطريقة مكشوفة، لهذا فإن من يقوم بتلك السلوكيات الشائنة، إما مغرض أو مأجور أو «عديم تربية»، لأن الإنسان السوي لا يمكن أن يقوم بأعمال تضر بالواقع الآمن فتربكه بطريقة قذرة.
إننا ومهما تحدثنا عن هؤلاء القوم من الدهماء، فإننا نعرف مدى طبيعة معدنهم وحقيقة جوهرهم، لكن «العتب» الشديد يقع على من يقوم باتباعهم وطاعتهم والجري خلفهم بطريقة بدائية تخلو من الحكمة والرشد، فهؤلاء لا يقلون سوءاً عن أولئك، وأعان الله العقلاء على ما ابتلوا به.