من يخلط الأوراق دائماً ما يكون لديه هدف، فالخلط يمكن أن ينتهي إلى تشتيت الانتباه عن قضية ما، أو يمكن أن يهدف إلى توجيه الرأي العام إلى قضية ما، أو الخيار الثالث وهو الانشغال المفرط بقضية معينة.
هذه الحالة تشخّص سياق ردود الأفعال على مقالي أمس المعنون بـ «نحو استراتيجية جديدة للتعامل مع المنبر والأصالة»، فكرة المقال ركزت على علاقة الدولة بتنظيمات سياسية بارزة مثل جمعيتي المنبر والأصالة، وضرورة مراجعة هذه العلاقة وتصحيحها لمصلحة كافة الأطراف، وكان المثال الأبرز لبيان عدم صحية هذه العلاقة ما حدث مؤخراً خلال التصويت على مشروع الموازنة الجديدة للدولة عندما رفضت من المنبر والأصالة وبعض النواب الآخرين.
لم يكترث أي من كوادر المنبر والأصالة بالموضوع المطروح، وإنما كان التركيز على أن كاتب هذه السطور يقف ضد التنظيمين، ويقف ضد كافة المساعي الرامية لتحسين مستوى معيشة المواطنين سواءً بزيادة الرواتب بشكل مباشر أو من خلال مشاريع إعادة هندسة الدعم الحكومي التي نعتقد أن فائدتها ستكون أكبر بكثير من فائدة الزيادة المباشرة للرواتب.
المسألة المطروحة كانت في ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والجمعيتين الأبرز على مستوى التيار السياسي الإسلامي السني. ولكن يبدو أن كوادر الجمعيتين ليست لديهم القدرة على قبول النقد، أو حتى التفكير في طبيعة هذه العلاقة، أو إعادة النظر في المسار القائم بعد مرور أكثر من عقد على الإصلاح السياسي.
ولذلك تلقيت ردود أفعال من شخصيات بارزة في الجمعيتين تبدي استياءها من «التهجم»على الجمعيتين، والوقوف ضد مصلحة المواطنين في تحسين مستوى معيشتهم. ولم تفتح المجال أمام النقاش في الأطروحة التي قدمتها بشأن التحالف العميق مع الدولة، وهو تحليل بلاشك يفتح المجال أمام مناقشة المشهد السياسي برمته وليس فقط لهاتين الجمعيتين، فأحداث 2011 كشفت لنا الحاجة لتصحيح مسار كافة الجمعيات السياسية بعد أن أثبتت الممارسة أنها تتعارض والمسار المستقبلي الذي نتطلع إليه في إطار مطالبتنا بمزيد من الإصلاحات السياسية المدروسة التي تتناسب وخصوصية مجتمعنا، وتطوره من حيث الوعي والثقافة السياسية السائدة، فلا ديمقراطية ناضجة دون جمعيات سياسية ناضجة، وهذا ما ينبغي أن تكون عليه الجمعيات في البحرين، فنضوجها قوة للنظام السياسي، وضعفها ضعف له.
وإذا كانت الجمعيات السياسية لا تتقبل النقد، فكيف يمكن أن تنتقد السياسات الحكومية! وهذا لفهم البعد النقدي الذي نتحدث عنه، والذي نطالب به.
أنتقل إلى الجانب الآخر من المقال والذي انتشرت فيه عبارات (السب والقذف) بالأمس، وهو قضية زيادة الرواتب، الإشكالية في الموضوع أن النقاش دائماً ما يركز على الآليات والوسائل، ولا يركز على الهدف. فالآليات والوسائل تشمل زيادة الرواتب، وإعادة هندسة الدعم الحكومي، والإعفاء من الرسوم الحكومية، وتقديم المزيد من الخدمات الحكومية المجانية، وضبط النفقات، ومكافحة الفساد بصرامة.. إلخ. جميع هذه الأمثلة هي وسائل وآليات لا أكثر يمكن انتقاء المناسب منها في أي وقت حسب الظروف والإمكانيات. أما الهدف فهو الأهم وهو تحسين مستوى معيشة المواطن التي يجب أن تكون هدفاً للحكومة وأعضاء السلطة التشريعية.
ولذلك فإن عدم التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على إقرار زيادة عامة في الرواتب، ليس نهاية المطاف، ولا يعني أن هناك ما يسميه البعض «إذلالاً» في تحسين مستوى المعيشة، فهذا الهدف حق لكافة المواطنين الذين يستحقون أكثر من زيادة رواتب، ومن حقهم أن يعيشوا في وضع أفضل دائماً.
للبعض فقط..
الديمقراطية البحرينية تتيح للنواب رفض الميزانية لأي سبب من الأسباب التي يرونها مقنعة، والديمقراطية البحرينية تتيح لي أيضاً إبداء رأيي في أداء النواب والحكومة.