في الثمانينات من القرن العشرين انشغلت دول مجلس التعاون الخليجي بإرسال المجاهدين العرب من أبنائها للجهاد في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي، وذلك بدعم أمريكي ـ غربي. ولكنها لم تفكر حينها ماذا ستفعل بأفواج المجاهدين العرب عندما تنتهي الحرب ويتوقف الصراع في أفغانستان، وأعتقد أنها حصدت الكثير لاحقاً بعد أن عادت أفواج منها، وشكّلت تنظيمات إرهابية كفّرت الأنظمة الخليجية الحاكمة وتبنت خطاً راديكالياً لمواجهتها، وكانت الحصيلة موجة من أعمال الإرهاب ميّزت العقد الأخير من القرن الماضي في عدد من الدول الخليجية.
تكرر السيناريو لاحقاً عندما انتقلت الجماعات نفسها من كابول والبوسنة والهرسك في التسعينات، ثم انتقلت إلى العراق بعد الغزو التاريخي في 2003، وصار لها دور في تنفيذ الإرهاب سواءً كان في مواجهة الإرهاب الشيعي المتطرف أو في مواجهة الغزو الغربي.
الآن يتكرر السيناريو إلى درجة كبيرة بعد تصاعد الأحداث دراماتيكياً في سوريا، وإعلان العديد من العلماء والمؤسسات الدينية الجهاد، إذ بدأت أفواج المجاهدين نحو الأراضي السورية للجهاد من أجل مواجهة النظام الحاكم وقوات حزب الله هناك.
خلال الفترة المقبلة من المتوقع أن تشهد المنطقة صراعاً إقليمياً مختلفاً عما كان عليه سابقاً، وسيكون لهؤلاء المجاهدين دور كبير في تفاعلات الصراع. ولكن السؤال هنا: كيف يمكن أن تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع مجاهديها بعد عودتهم؟ هل سيحملون فكراً معتدلاً أم متطرفاً؟ هل سيستهدفون أنظمة بلدانهم أم ماذا؟
قد يكون توقيت مثل هذه التساؤلات غير مناسب تماماً، ولكن لا بد من طرحه بهدف رسم سيناريوهات مستقبلية لمسارات الصراع الجارية الآن. خاصة وأن المؤشرات الحالية لا تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد استقراراً قبل عقد ونصف العقد على الأقل.
وحتى نتعرف على مسارات الصراع الراهنة والمستقبلية، لنسترجع هذه المراحل التاريخية:
ـ المرحلة الأولى: جهاد أفغانستان: صراع بين المسلمين والمسيحيين (الروس).
ـ المرحلة الثانية: جهاد البوسنة: صراع بين المسلمين والمسيحيين (الصرب والكروات).
ـ المرحلة الثالثة: جهاد العراق: صراع بين السنة والشيعة.
ـ المرحلة الرابعة: جهاد سوريا: صراع بين السنة والشيعة.
هذه أربع مراحل تعكس موجات الجهاد الأربع التي شهدها الشرق الأوسط خلال أربعين سنة فقط. ويمكن هنا الإشارة إلى ملاحظة قد تكون مهمة، فالصراع كان بين أديان وعلى مستوى إقليمي أكبر، وانتقل سريعاً إلى صراع مذاهب، ومن المتوقع أن يكون الصراع خلال الفترة المقبلة صراعاً داخل جماعات المذهب الواحد، سيّما مع وجود مؤشرات على ذلك، ليس في دول الخليج العربي فحسب، وإنما في عدد من الدول العربية الأخرى التي شهدت ثورات غيّرت النخب الحاكمة.
أيضاً ملاحظة أخرى وهي أن الصراع في المرحلة الأولى والثانية كان من الناحية الجغرافية في دول مجاورة لمنطقة الشرق الأوسط، فأفغانستان تقع شرق المنطقة، والبوسنة تقع شمال الشرق الأوسط.
والملاحظة الثالثة، أن أطراف الصراع في المرحلتين الأولى والثانية كانتا من المكوّن السني فقط، أما في الثالثة والرابعة فدخل عليها المكوّن الشيعي. كذلك على صعيد (العدو المستهدف) في المرحلتين الأولى والثانية كان عدواً أجنبياً (الروس والصرب والكروات)، ولكنه اختلف في المرحلتين الثالثة والرابعة وصار عدواً طائفياً بامتياز، بمعنى أن الصراع يقوم على العداء المتبادل بين المكونات الأساسية في منطقة الشرق الأوسط.
من خلال هذه الملاحظات يمكننا التعرف على طبيعة الصراع المقبل على المنطقة، لأنه صراع لن يكون تقليدياً، خاصة وأنه ليس صراعاً على المصالح الاستراتيجية كما مر على المنطقة من قبل، وإنما صراع وجود يصل إلى درجة الصراع الصفري الذي تكون فيه كافة الأطراف خاسرة.
{{ article.visit_count }}
تكرر السيناريو لاحقاً عندما انتقلت الجماعات نفسها من كابول والبوسنة والهرسك في التسعينات، ثم انتقلت إلى العراق بعد الغزو التاريخي في 2003، وصار لها دور في تنفيذ الإرهاب سواءً كان في مواجهة الإرهاب الشيعي المتطرف أو في مواجهة الغزو الغربي.
الآن يتكرر السيناريو إلى درجة كبيرة بعد تصاعد الأحداث دراماتيكياً في سوريا، وإعلان العديد من العلماء والمؤسسات الدينية الجهاد، إذ بدأت أفواج المجاهدين نحو الأراضي السورية للجهاد من أجل مواجهة النظام الحاكم وقوات حزب الله هناك.
خلال الفترة المقبلة من المتوقع أن تشهد المنطقة صراعاً إقليمياً مختلفاً عما كان عليه سابقاً، وسيكون لهؤلاء المجاهدين دور كبير في تفاعلات الصراع. ولكن السؤال هنا: كيف يمكن أن تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع مجاهديها بعد عودتهم؟ هل سيحملون فكراً معتدلاً أم متطرفاً؟ هل سيستهدفون أنظمة بلدانهم أم ماذا؟
قد يكون توقيت مثل هذه التساؤلات غير مناسب تماماً، ولكن لا بد من طرحه بهدف رسم سيناريوهات مستقبلية لمسارات الصراع الجارية الآن. خاصة وأن المؤشرات الحالية لا تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد استقراراً قبل عقد ونصف العقد على الأقل.
وحتى نتعرف على مسارات الصراع الراهنة والمستقبلية، لنسترجع هذه المراحل التاريخية:
ـ المرحلة الأولى: جهاد أفغانستان: صراع بين المسلمين والمسيحيين (الروس).
ـ المرحلة الثانية: جهاد البوسنة: صراع بين المسلمين والمسيحيين (الصرب والكروات).
ـ المرحلة الثالثة: جهاد العراق: صراع بين السنة والشيعة.
ـ المرحلة الرابعة: جهاد سوريا: صراع بين السنة والشيعة.
هذه أربع مراحل تعكس موجات الجهاد الأربع التي شهدها الشرق الأوسط خلال أربعين سنة فقط. ويمكن هنا الإشارة إلى ملاحظة قد تكون مهمة، فالصراع كان بين أديان وعلى مستوى إقليمي أكبر، وانتقل سريعاً إلى صراع مذاهب، ومن المتوقع أن يكون الصراع خلال الفترة المقبلة صراعاً داخل جماعات المذهب الواحد، سيّما مع وجود مؤشرات على ذلك، ليس في دول الخليج العربي فحسب، وإنما في عدد من الدول العربية الأخرى التي شهدت ثورات غيّرت النخب الحاكمة.
أيضاً ملاحظة أخرى وهي أن الصراع في المرحلة الأولى والثانية كان من الناحية الجغرافية في دول مجاورة لمنطقة الشرق الأوسط، فأفغانستان تقع شرق المنطقة، والبوسنة تقع شمال الشرق الأوسط.
والملاحظة الثالثة، أن أطراف الصراع في المرحلتين الأولى والثانية كانتا من المكوّن السني فقط، أما في الثالثة والرابعة فدخل عليها المكوّن الشيعي. كذلك على صعيد (العدو المستهدف) في المرحلتين الأولى والثانية كان عدواً أجنبياً (الروس والصرب والكروات)، ولكنه اختلف في المرحلتين الثالثة والرابعة وصار عدواً طائفياً بامتياز، بمعنى أن الصراع يقوم على العداء المتبادل بين المكونات الأساسية في منطقة الشرق الأوسط.
من خلال هذه الملاحظات يمكننا التعرف على طبيعة الصراع المقبل على المنطقة، لأنه صراع لن يكون تقليدياً، خاصة وأنه ليس صراعاً على المصالح الاستراتيجية كما مر على المنطقة من قبل، وإنما صراع وجود يصل إلى درجة الصراع الصفري الذي تكون فيه كافة الأطراف خاسرة.