لو سألت أي مجموعة عن سبل الخروج من هذه الأزمة التي صرنا فيها منذ فبراير 2011 والتي أدخلتنا في متاهات وتسببت في شروخ اجتماعية صعبة قد تحتاج إلى زمن طويل لجبرها، لو سألت عن ذلك لوجدت باقة من الحلول التي تندرج تحت عنوانين لا ثالث لهما هما الحل الأمني والحل السياسي، فالحل إما أن يكون أمنياً أي باستخدام العصا الغليظة كما حدث ويحدث في بعض بلدان العالم ومنها إيران التي يحلو للبعض تقديمها كمثال، أو سياسيا يصل من خلاله الفرقاء إلى مساحات يتفق عليها توقف النزيف وليتفرغوا من ثم للتفاصيل التي لا بأس لو استغرق الاتفاق عليها بعض الوقت.
وكما الكثيرين أجد أن المعالجة الأمنية قد تنفع في بعض الأحوال ولا بأس لو تم اللجوء إليها أحياناً لسبب أو لآخر لكن المعالجة السياسية تظل هي السبيل الذي يمكن أن يأخذنا إلى حيث التسويات الدائمة التي تتيح من ثم التفرغ للبناء.
فــي السيــاق نفســه يختلــف المتابعـــون للمشكلة البحرينية في مسألة سجن المخربين، فبينما يرى البعض أن السجن إصلاح وتهذيب وسبيل إلى أن يراجع المرء نفسه ليمشي بعد ذلك «مع الساس»، يرى البعض الآخر أنه يؤدي إلى نتيجة عكسية حيـــث «يتخرج» المدان وهو مزهو بما فعل وبما عوقب به وقد يصير مثالاً يحتذى به.
لعل من المناسب الآن أن أشير إلى ما شاهدت في تونس أيام الرئيس بورقيبة، فعندما زرتها سنة 1985 لاحظت تواجد الكثيــر من الشباب في المقاهي المفتوحــة على شارع الحبيب بورقيبة وهو الشارع الأساس في العاصمة، فسألت فقيل لي إن الكثير منهم عاطل عن العمل فيجلس في المقاهي، لكني لاحظت أيضاً أن أياً من أولئك الشبــاب «لا يتهاوش» فلم أر خلال الأسبوع الذي قضيته أية مشاجرة، وهو أمر غريب حيث الشباب العاطل يكون عادة سريع الاشتعال، فقيل لي نعم وقد كانت المقاهي تشهد حتى قبل شهور الكثير من الهوشات التي تسيل فيها الدماء يومياً ولكن بورقيبة عالج الموضوع بطريقته الخاصة حيث أمر وزارة الداخلية بحجز كل شابين يتهاوشان ثلاثة أيام يتم خلالها تشغيلهمــا في المراكز في أمور التنظيـــف وخدمة العاملين فيها ثم بعد الأيام الثلاثة يتم سؤالهما ببرود عن سبب الهوشة الذي يكونان غالباً قد نسياه ويطلق سراحهما!
ما حدث في تونس هو أن الشباب العاطل صار يضبط أعصابه لأنه تبين له عملياً أن الهوشات لن تجلب له سوى المزيد من الأذى، فتم التخلص من تلــك المشكلــة نهائياً.
في اعتقادي أن معاقبة المتورطين في قضايا جنائية بالسجن مجدية لكنها قليلة التأثير في المتورطين في قضايا التخريب لأن هؤلاء يعتقدون أن السجن بطولة وأنه «للجدعان». ما أراه ناجعاً هو العقوبات المالية، فعندما يدفع المتورط في قضايا إشعال النيران في إطارات السيارات ألف دينار مثلاً سيفكر ألف مرة قبل أن يشارك في مثل هذه الجريمة مرة أخرى.
«ألفك وانقز» هو المشروع الذي أقترح علـى الداخلية دراسته ووضع الأطر القانونية له واعتماده حلاً لهذه المشكلة. السجن لا يوجع هؤلاء وإن سلبهم حريتهم، ما يوجعهم هو المال «البيزة»، وهذا الوجع يمكن إحداثه بإلزام المتورط في مثل هذه العمليات وأهله بدفع ألف دينار نقداً يتم الاستفادة منها في إصلاح ما تم تخريبه، إن سددوها انصرف معهم.
ما أنا متيقن منه هو أن أهله الذين دفعوا الألف دينار و«انقزوا» سوف يمنعونه من الخروج من البيت.. هذا إن لم يربطوه بالسلاسل!
احتجاز المتورطين في عمليات التخريب وسجنهم لا يردعهم، ما يردعهم هو الدينار.. «فالبيزة هي التي تحر»!