أعـــرف أن الأرقـــام والحسابـــات الرياضيــة والنسب عادة ما تكون معقدة وغير محببة للناس، لكني أؤمن في ذات الوقت أن الأرقام لا تكذب. موضوع اليوم لا يمكن طرحه دون اللجوء إلى الأرقام والنسب، لذلك أعتذر مسبقاً ممن سيجد صعوبة في تتبع تفاصيله، لكنه مهم وتبيانه بالأرقام والإحصائيات أهم.
في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أكد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء ضرورة المعالجة الفورية لأسباب تأخر 41 مشروعاً تخص 9 وزارات ومؤسسات حكومية كان من المفترض الانتهاء من تنفيذها خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث إن المجلس ضمن متابعته لتنفيذ 733 مشروعاً وبرنامجاً يخص 38 وزارة ومؤسسة حكومية تضمنها برنامج عمل الحكومة للسنوات 2011-2014 اكتشف تأخر 41 مشروعاً تخص 9 وزارات ومؤسسات حكومية كان من المفترض الانتهاء من تنفيذها خلال الربع الأول من العام.
قد لا يكون هذا الرقم «41 مشروعاً» كبيراً بالنسبة لـ733 مشروعاً من المقرر تنفيذها خلال 4 سنوات، لكن حجم التأخير يبرز إذا ما أجرينا حسبة بسيطة، إذ إن العام الواحد به أربعة أرباع «الربع السنوي يعادل ثلاثة أشهر»، وإذا ما ضربناها في عدد السنين المفترضة لبرنامج عمل الحكومة «4 سنوات» يكون لدينا «16 ربعاً»، وبالتالي إذا ما قسمنا عدد المشروعات المطلوب تنفيذها على عدد الأرباع مجتمعة تكون الحسبة كالتالي «733 مشروعاً مقسمة على 16 ربعاً = 45.8 مشروع في الربع السنوي الواحد»، لنقل إذاً بالتقريب إنه يجب تنفيذ 46 مشروعاً في الربع السنوي الواحد من كل عام خلال السنوات الأربع من 2011-2014، وهو معدل افتراضي قد يزيد أو ينقص قليلاً بحسب حجم المشروعات وطبيعتها.
وبالتالي الأرقام الحسابية تقول إن لدينا معدل 46 مشروعاً كان يجب إتمام تنفيذها خلال الربع الأول من هذا العام، تأخر منها 42 مشروعاً تخص 9 وزارات ومؤسسات حكومية!! أي أن إجمالي المشروعات المنجزة يساوي أقل من 10% من مجمل المشروعات المطلوب تنفيذها!!
هنا وببساطة تتضح المشكلة؛ فحجم الإنجاز حسابياً لا يتجاوز 10%، وهي نسبة صغيرة جداً خصوصاً أن المشروعات تكتسب أهمية كبرى في الاقتصاد، فكلما حرصت الدولة على تنفيذ مشروعاتها كلما ساهم ذلك في زيادة الحركة الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو أكبر، أما تأخر المشروعات لاسيما بالنسبة إلى الجهات الخدمية والتي تمس المستوى المعيشي للمواطن من شأنها أن تؤثر على الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية ومشروعات الإسكان والمواصلات وكل ما يرتبط ويؤثر في حياة الناس، فهذه المشروعات إما هي لحاجة يتطلبها الواقع أو لتحسين مستوى الخدمات وتحقيق مزيد من النمو والرفاه والتطوير الشامل، وتعثر تنفيذ المشروعات يؤدي إلى عدم سد هذه الاحتياجات وعدم تحقيق الرفاه والنمو وبلوغ التطوير وتعطل الحركة الاقتصادية، بما يعكس الخطر الفعلي لعدم تنفيذ وإكمال المشروعات في خطط الحكومة المدرجة في الميزانية العامة للدولة.
وكلنا نذكر النسب المحبطة التي أوضحتها أرقام الحساب الختامي للمملكة عن العام 2011، حيث رصدت الحكومة نحو 926 مليون دينار لمصروفات المشروعات، فيما بلغ الاستخدام الفعلي لهذه الميزانية نحو 440.8 مليون دينار فقط، بما نسبته 48% من المبلغ المرصود؛ أي أنه هناك 485.2 مليون دينار لم يتم استخدامها.
ففي ذلك العام بلغت نسب المشروعات المنجزة في بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية التالي؛ 70% لمستشفى الملك حمد الجامعي، 68% لوزارة الإسكان، نحو 56% لوزارة الأشغال، وهي معدلات جيدة نسبياً إذا ما قارناها بـ3% للمؤسسة العامة للموانئ البحرية، 37% لوزارة الصحة!! ونسب متدنية أخرى لعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية جعلت الحجم الحقيقي للمشروعات المنجزة في ذلك العام تبلغ نسبته 48%، فكم ستكون نسبة الإنجاز في العام 2013 إذا ما كانت تساوي في الربع الأول بحسب حساباتنا الافتراضية التقديرية أقل من 10%!!

شريط إخباري..
في ظل هذه النسبة المتدنية نثمن دعوة سمو رئيس الوزراء للبحث في أسباب الإخفاق والتقصير في تنفيذ المشروعات ومحاسبة المقصرين ومعالجة العقبات التي حالت دون التنفيذ، ونتمنى من الحكومة أخذ هذا الموضوع بمنتهى الجدية، فالتقصير هو تقصير في حق المواطن بالدرجة الأولى والمشروعات التي كان من المؤمل إنجازها تصب في مصلحته بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي فإن عدم إنجازها يضر به وبالوطن