يعاتبني بعض القراء بسبب حرصي على استعمال كلمة «الشيخ» عند ذكر بعض رجال الدين وعلمائه بما فيهم المتعاطون بالشأن السياسي، فكتب أحدهم قبل أيام معلقاً على أحد مقالاتي ما معناه أنه كيف تسمي فلاناً «الشيخ» وهو في نظرنا يستحق صفات أخرى دونية؟
ملاحظة تستحق الشكر من القارئ الكريم لسببين؛ الأول لأنه يتحمل عناء قراءة مقالاتي -وهذا يشرفني- ولم يتردد عن إيصال ملاحظته، والثاني هو أنه أتاح لي الفرصة لإبداء وجهة نظري في هذا الموضوع المهم.
مقاربة للموضوع، لعل من المفيد الإشارة إلى واقع الدبلوماسيين. ملزمون بالتقيد بالأعراف والقواعد الدبلوماسية في كل الظروف. فالدبلوماسي حتى في حالة الخلاف الشديد أو الحرب بين بلاده والبلاد الأخرى يظل يخاطب الدبلوماسيين الآخرين الذين بالتأكيد يتخذ منهم موقفاً ولا «يشتهيهم» بسبب توتر العلاقة، يظل يخاطبهم بما يفرض عليه العرف الدبلوماسي، فيخاطب سفيرهم بـ»سعادة السفير» ويخاطب وزيرهم بـ»معالي الوزير».. وهكذا.
الخلاف والاختلاف ينبغي ألا يفسد الود بيننا وألا يدمر قيمنا، والذي أراه هو أن من المهم، بل من المهم جداً، أن ننادي بعضنا بعضاً بما نحب من أسماء وألقاب، لأن خلاف ذلك يباعد بيننا ويزيد من مساحة الاختلاف. هذا لا يدخل في باب النفاق، لكنه يعبر عما نحن فيه من ثقافة وتمدن وتحضر.
شخصياً عندما أذكر الشيخين قاسم وسلمان؛ أقول الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، وعندما أذكر النائب السعيدي؛ أقول الشيخ جاسم السعيدي، وأقول الشيخ الدكتور عبداللطيف آل محمود وأقول الشيخ علي العربي.. وهكذا.
اختلافي مع الآخر لا يعني أنه صار من حقي تجاوز الأعراف والعادات والتقاليد، جميع الذين ذكرت أسماءهم هنا أختلف معهم في وجهات نظرهم، وفي كثير مما يقولونه في خطبهم وتصريحاتهم، وأختلف معهم في رؤاهم للخروج من الأزمة التي صرنا فيها ومواقفهم، لكن هذا لا يعني أن أذكرهم بأسمائهم مباشرة، والأمر نفسه مع كل ذي لقب أو صفة اجتماعية أو علمية، حيث الذي نال شهادة الدكتوراه يظل دكتوراً في كل الأحوال، سواء أعجبني طرحه أم لم يعجبني وسواء اتفقت معه أم لم أتفق، وعدا أن من حقه أن أخاطبه بهذه الصفة فإن عدم إرفاقها باسمه حين الحديث عنه لا يزيدني شيئاً مثلما أنه لا ينقص منه شيء.
بالتأكيد صرنا نتخذ من بعضنا بعضاً مواقف، فنحن نمر في مرحلة غريبة وقاسية علينا وعلى مجتمعنا، لكن الاختلاف بيننا يتسع ويتعمق الخلاف إن نحن أيضاً خاطبنا بعضنا بعضاً بما لا يليق بنا وبمجتمعنا وبعاداتنا وتقاليدنا. هذا لا يعني أبداً التوقف عن نقد الآخر، فعلى العكس، النقد في هذه المرحلة بالذات مهم.
شخصياً لا أتقبل أن يخاطب أحد قادة البلاد دون أن يسبغ عليهم صفاتهم وألقابهم وما يعلي من مكانتهم، ولا أتقبل أن يخاطب أحد الوزراء والنواب والشوريين بما يقلل من مكانتهم أو يجرحهم، ولا أتقبل أن يخاطب الأساتذة بكل مستوياتهم وتصنيفاتهم إلا بهذه الصفة التي لا يمكن نزعها منهم.
ليس من قيم مجتمعنا وأخلاقنا التقليل من شأن الآخر وإن اختلفنا معه واتخذنا منه موقفاً أو قدرنا أنه مخطئ ومسيء، ذلك أن التقليل من شأن الآخر يوفر فرصاً أكبر للعداوة، خصوصاً في هذه المرحلة التي لابد أن ننتهي منها في أسرع وقت.
لنخاطب الناس بما يحبون أن يخاطبوا به، ولنسبغ عليهم مسمياتهم وألقابهم التي عرفناهم بها، فخلاف ذلك لا ينقص من شأنهم، والتزامنا به يعبر عن معدننا البحريني الأصيل.