الصيام مدرسة جامعة يتعلم فيها المسلم معان عظيمة تعينه على تقوية النفس وتهذيبها والسمو بها إلى الأفضل والأكمل.
والمتمعن في الصيام يجد أن غايته هي تقوى الله عز وجل، وتعظيم حرماته، وجهاد النفس على مخالفة الهوى، والبعد عن ما حرم ونهى.
فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط، بل وجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره، فوجب الامتناع عن مفطرات أخرى، لا يكمل صيام أحد إلا بالامتناع عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لهو حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)).
فكما يصوم المسلم عن المفطرات الحسية المباحة، وجب عليه أن تصوم جوارحه عن كل ما يذهب أجر صومه من المفطرات المعنوية، وكما إن للجسم صياماً فإن للجوارح صياماً أيضاً؛ فصيام العين غضهما عن ما حرم الله، وصيام الأذن حفظهما عن سماع ما حذر ونهى، وصيام اللسان صونه عن قول ما منع وزجر، وهي أمور قد غفل عنها كثير من الناس، فقد يصوم الصائم عن الطعام والشراب، ويفطر على غيرهما، قد ملأ يومه بأقوال وأفعال تنقص من أجر صومه، أو قد تبطل عمله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائمٍ حظه من قيامه السهر)).
وقد أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام إلى طريقة حفظ صيامنا مما قد يخل به، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله، فليقل: إني صائمٌ إني صائمٌ)).
هذا التوجيه النبوي يترك أثراً في النفس المسلمة لبيان عظمة هذا الأمر، وتربية للأمة على الأخلاق الرفيعة، والسماحة في القول والفعل، لتكون درساً تستفيد منه في رمضان وفي سائر شهور العام.
وقد اعتنى سلفنا الصالح بصوم الجوارح عن المحرمات اعتنائهم بصوم الجسم عن المفطرات، روي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قوله: « إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن المحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك سكينةٌ ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء».