مباشرة بعد الإعلان عن عودة المتحاورين إلى طاولة الحوار بعد تعطلها بسبب الإجازة، التي امتدت إلى شهرين، أعلن ما يسمى بالتحالف من أجل الجمهورية أن «ما يسمى بحوار التوافق الوطني، لا يمثل إرادة شعبنا، وأن قوى المعارضة التي اختارت الدخول في هذا الحوار ليست مخولة بتقديم أية تنازلات عن مطالب الثورة، أو توافق على أي مخرجات من هذا الحوار باسم الشعب، ولا يمكن لأي استفتاء -على فرض حصوله- إعطاء شرعية أو تبرئة رموز الحكم المتهمين بجرائم ضد الإنسانية».
في المقابل طالبت حركة الأنصار (...) «جميع القوى السياسية والائتلاف والجمعيات السياسية بوحدة الصف والاتفاق على برنامج للعصيان المدني والإضرابات العامة، وتمنت على العلماء المجاهدين الربانيين أن يطالبوا الشعب بالاستجابة للعصيان المدني المنظم من أجل إرغام الحكم لترك البلاد لأهلها».
كما طالبت الحركة «جميع أبناء الشعب بالخروج بمسيرات بالسيارات إلى قصر القضيبية في المنامة في مسيرات صامتة للمطالبة بالرحيل»! «كما جاء في البيانين».
من غير زعل، أي تطور إيجابي يمكن أن يحدث وسط هذا النوع من العقليات التي لا ترى في المعادلة إلا نفسها، وتعتقد جازمة أنها ستنتصر رغم كل معطيات الساحة؟ أي حل يمكن أن نصل إليه في وقت لايزال هذا البعض يطلق لخياله العنان فيعتقد أن ما هو في خياله حقيقة واقعة، فيستمر في محاولات إقناع من حوله بأنه العاقل الوحيد وأنه الأقوى؟ أي نجاح يمكن أن يفضي إليه الحوار وهؤلاء يقفون بالمرصاد لممثلي الجمعيات السياسية، ويرفضون مسبقاً كل ما قد يتوصلون إليه ويتوافقون على أنه في صالح الوطن والمواطنين؟ أي نتيجة موجبة يمكن أن يصلوا إليها وهم «لا يمثلون إرادة الشعب.. وليسوا مخولين بتقديم أي تنازلات.. أو أن يتوافقوا على مخرجات»، كما «قرر» التحالف من أجل الجمهورية؟!
الأولى في حال كهذه أن تحسم الجمعيات السياسية أمرها مع التحالف من أجل الجمهورية وغيرها من جهات تعتقد أنها وحدها التي لها الحق في التحدث باسم الشعب، فعدم الحسم يعني ضياع المجهود الذي ستبذله في الحوار الذي يفترض أن ينتهي بالاتفاق على أمور نهائية توجد الحلول لمختلف المشكلات القائمة وتمنع عودتها ليتفرغ الجميع للبناء والارتقاء بهذا الوطن الذي تألم كثيراً بسبب سيطرة الخيال على بعض أبنائه، إلى الحد الذي صاروا يرون معه إمكانية تحويل المملكة إلى جمهورية!
أما حركة الأنصار المجهولة، والتي لايزال من يقف وراءها يعتقد أن الأمور «سهالات»، وأن الناس سيستجيبون لهم ويخرجون فور تلقيهم الدعوة إلى الشارع وينفذون ما يراد منهم تنفيذه، فواضح أنها هي الأخرى تعيش في الخيال وإن لم يكن واضحاً ما تريد.. جمهورية أم جماهيرية!
كيف للمواطن أن يتفاءل وسط كل هذا الكلام «المأكول خيره»؟ وأي حوار يمكن أن ينجح ولم يحصل المتحاورون فيه على «تفويض» من أرباب الجمهورية.. وأنصارهم؟ وأي هدوء يمكن أن تنعم به البلاد ولاتزال «الهذرة» مستمرة والكل أدخل نفسه في السياسة وانشغل واشتغل بها؟
إن أرادت الجمعيات السياسية التي تطرح نفسها على أنها «المعارضة» أن تصل إلى نتيجة وحل لهذه الأزمة، وأن تحقق مطالبها وما تطمح إليه، فإن عليها أولاً أن تحسم أمورها مع هذه الجهات التي تعتبر نفسها الأساس وتعتبر نفسها في ثورة ترى مؤشرات نجاحها، فمن دون هذا الحسم سيضيع جهدها ولن تتمكن من تحقيق أي مطلب من مطالبها، بل ستنتهي لأنها ستفقد ثقة المواطنين وثقة الحكومة في آن. حان الوقت كي تقول الجمعيات السياسية كلمتها؛ إن أرادت أن يكون لها شأن ومكانة في الساحة، فهل تستطيع؟