في هذا الواقع الذي اكتسبت فيه ماكينات تشويه الوعي وصناعة الرأي المعلب وجاهة وتأثيراً خطيراً في الرأي العام، أجدني مضطرة إلى البدء بالإقرار بأن نظام بشار الأسد نظام قمعي اعتمد على الدولة البوليسية وعلى الاستعانة بأهل الثقة من الطائفة العلوية وحزب البعث وأصحاب المصالح في تثبيت أركان حكمه، وأنه سن بدعة خطيرة قلب فيها النظام الجمهوري إلى نظام وراثي حين نقل الحكم من الأسد الأب إلى الأسد الابن، وأنه تاجر أعواماً طويلة بشعارات العروبة والمقاومة ليمنح نفسه امتيازات تبرر له سيل التدابير الاستثنائية التي يحارب بها الحريات السياسية والتنوع الفكري. سبب هذا الإقرار أن من يناقش الحالة السورية خارج «النمط الجاهز» الذي صممته كاتالوجات صنع الرأي المضلل يتم إخراجه من قفص الوطنية والإسلام والإنسانية التي صار البعض، فقط، يمتلك مفاتيحه!!
دعمنا الثورة السورية ضد بشار الأسد، وكنا نتمنى أن ينجزها الشعب السوري بنفسه حتى وإن تعثرت بالإخفاقات كما هو الحال في مصر وتونس، فذلك سيكون اختيار الشعب السوري وعليه تحمل نتائج اختياراته، ونحن ندرك أن لجوء بشار الأسد لضرب المدنيين بمدافع الجيش ومدرعاته فتح الباب أمام التدخل الدولي لضخ سوريا بآلاف الأجانب من عناصر القاعدة ومثيلاتها، واستعانة الأسد بروسيا وإيران بررت للغرب وأمريكا وإسرائيل التدخل هي الأخرى، لتنتهي الحالة السورية من ثورة إلى حرب طائفية إلى حرب كونية بالنيابة، وليصبح المتضرر الوحيد هو الشعب السوري.
الآن وقد عجت سوريا بآلاف العناصر الخارجية التي يغلب عليها الطابع المتطرف، وبعد أن كشفت جبهة النصرة وغيرها من الجماعات عن منهجها التكفيري وبثت مشاهد مخيفة لعمليات إعدام أشرفت عليها، وبعد أن دخلت تلك الجماعات نفسها في حروب داخلية بين جبهة أبي محمد الجولاني وجبهة أبي بكر البغدادي، من جهة، بسبب الخلاف على تأسيس إمارتي أرض الشام وأرض العراق الإسلاميتين، ثم تقاتلوا مع الجيش الحر من جهة أخرى ومع الأكراد من جهة ثالثة. بعد كل هذا فإننا نوقن أن إسقاط النظام عسكرياً دون تمهيد الأرضية لحكم انتقالي يرضي الشعب السوري في الداخل تحديداً، ويحفظ ما بقي من الدولة السورية من الانهيار الكامل والانخراط في الفوضى، ويحفظ سلامة الأراضي السورية من التقسيم، سيكون له عواقب وخيمة على سوريا تتجاوز الحالة الأفغانية والعراقية معاً!!
الضربة العسكرية المزمع شنها على سوريا تهدف، كما صرحت أمريكا، إلى ضربات نوعية محدودة لن تسقط النظام، فأمريكا لا تريد التورط مباشرة بحسم الوضع في سوريا وتحمل تداعيات الموقف. الهدف كما يمكن تتبعه هو إعادة التوازن بين القوى من أجل إجبار نظام الأسد على تقديم تنازلات أكبر في مؤتمر (جنيف 2) الذي طال انتظاره، فالجيش السوري يتقدم ميدانياً مقابل العناصر المقاتلة الأخرى التي انشغلت بتكفير بعضها والاقتتال فيما بينها، وربما تطال الضربة العسكرية بعض الجماعات المتطرفة التي بدأت تخرج عن السيطرة وتعمل لحساب تأسيس دولتها، علماً بأن الضربة الأمريكية المتوقعة قد سبقتها ضربتين إسرائيليتين لتحقيق الهدف ذاته. السؤال المخيف الذي يخيم بظله الثقيل على المنطقة؛ ماذا بعد «نظام» بشار الأسد؟ كيف سيكون مستقبلنا جميعاً؟
ليس ثمة تسريبات أو مؤشرات بوجود سيناريو جاهز لنظام الحكم بعد سقوط النظام الحالي، فالائتلافات التي تشرف تركيا وقطر على تشكيلها لا تأتلف لأكثر من بضعة أشهر ثم تدب الصراعات بين أعضائها فينفرط عقدها، لكن ما تسرب هو أن أمريكا وتركيا وقطر تميل إلى تولية الحكم لتنظيم الإخوان في حين ترفض باقي دول الخليج هذا الخيار. أما الشعب السوري في الداخل فلم يستفته أحد وسيواجه مصيراً مجهولاً لم يختره.
اليوم وطبول الحرب تقرع ضد سوريا والحل السياسي مرهون بضبط التوازنات، على الدول العربية أن تعي أنها قد أصبحت حاضنة ضخمة للإرهاب الذي تم استقدام عناصره من كافة جهات الكرة الأرضية لبث الفوضى فيها، وأن العناصر الإرهابية مسلحة ومدربة تدريباً عالي الكفاءة، وعلى دول الخليج تحديداً أن تعي أنها قد أصبحت محاصرة بأنواع الجماعات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة والجماعات الشيعية في العراق وسوريا واليمن. وأن انفجار الوضع في سوريا دون ضوابط وضمانات تضمن الانتقال السلمي للسلطة بعد الأسد ستكون دول الخليج العربي أول من يدفع ضريبته، تماماً كما حدث في العراق عندما تركت دول الخليج المجال مفتوحاً لإيران تحتل الأرض وتشكل الحكومات التي تدعم الإرهاب الشيعي في البحرين والقطيف.
الأجدر بالدول العربية أن تعمل على نزع فتيل «البركان» السوري بإخراج كل العناصر الدولية المسلحة داخل سوريا، وترك الخيار للشعب السوري يحدد طبيعة المرحلة القادمة ومساعدته بتقديم مبادرات للحوار الوطني والمصالحة ووضع سيناريو للمرحلة الانتقالية يرضي الجميع. وإن الإصرار على إسقاط «شخص» بشار الأسد ومساومته بالشعب السوري كاملاً وبسلامة الدولة السورية، كما حدث حين قايضت أمريكا «شخص» صدام حسين بالدولة العراقية، سيجر لنا كوارث لا يعلم مآلها إلا الله ولن تفلت دول الخليج من حممها مهما حصنت نفسها.
{{ article.visit_count }}
دعمنا الثورة السورية ضد بشار الأسد، وكنا نتمنى أن ينجزها الشعب السوري بنفسه حتى وإن تعثرت بالإخفاقات كما هو الحال في مصر وتونس، فذلك سيكون اختيار الشعب السوري وعليه تحمل نتائج اختياراته، ونحن ندرك أن لجوء بشار الأسد لضرب المدنيين بمدافع الجيش ومدرعاته فتح الباب أمام التدخل الدولي لضخ سوريا بآلاف الأجانب من عناصر القاعدة ومثيلاتها، واستعانة الأسد بروسيا وإيران بررت للغرب وأمريكا وإسرائيل التدخل هي الأخرى، لتنتهي الحالة السورية من ثورة إلى حرب طائفية إلى حرب كونية بالنيابة، وليصبح المتضرر الوحيد هو الشعب السوري.
الآن وقد عجت سوريا بآلاف العناصر الخارجية التي يغلب عليها الطابع المتطرف، وبعد أن كشفت جبهة النصرة وغيرها من الجماعات عن منهجها التكفيري وبثت مشاهد مخيفة لعمليات إعدام أشرفت عليها، وبعد أن دخلت تلك الجماعات نفسها في حروب داخلية بين جبهة أبي محمد الجولاني وجبهة أبي بكر البغدادي، من جهة، بسبب الخلاف على تأسيس إمارتي أرض الشام وأرض العراق الإسلاميتين، ثم تقاتلوا مع الجيش الحر من جهة أخرى ومع الأكراد من جهة ثالثة. بعد كل هذا فإننا نوقن أن إسقاط النظام عسكرياً دون تمهيد الأرضية لحكم انتقالي يرضي الشعب السوري في الداخل تحديداً، ويحفظ ما بقي من الدولة السورية من الانهيار الكامل والانخراط في الفوضى، ويحفظ سلامة الأراضي السورية من التقسيم، سيكون له عواقب وخيمة على سوريا تتجاوز الحالة الأفغانية والعراقية معاً!!
الضربة العسكرية المزمع شنها على سوريا تهدف، كما صرحت أمريكا، إلى ضربات نوعية محدودة لن تسقط النظام، فأمريكا لا تريد التورط مباشرة بحسم الوضع في سوريا وتحمل تداعيات الموقف. الهدف كما يمكن تتبعه هو إعادة التوازن بين القوى من أجل إجبار نظام الأسد على تقديم تنازلات أكبر في مؤتمر (جنيف 2) الذي طال انتظاره، فالجيش السوري يتقدم ميدانياً مقابل العناصر المقاتلة الأخرى التي انشغلت بتكفير بعضها والاقتتال فيما بينها، وربما تطال الضربة العسكرية بعض الجماعات المتطرفة التي بدأت تخرج عن السيطرة وتعمل لحساب تأسيس دولتها، علماً بأن الضربة الأمريكية المتوقعة قد سبقتها ضربتين إسرائيليتين لتحقيق الهدف ذاته. السؤال المخيف الذي يخيم بظله الثقيل على المنطقة؛ ماذا بعد «نظام» بشار الأسد؟ كيف سيكون مستقبلنا جميعاً؟
ليس ثمة تسريبات أو مؤشرات بوجود سيناريو جاهز لنظام الحكم بعد سقوط النظام الحالي، فالائتلافات التي تشرف تركيا وقطر على تشكيلها لا تأتلف لأكثر من بضعة أشهر ثم تدب الصراعات بين أعضائها فينفرط عقدها، لكن ما تسرب هو أن أمريكا وتركيا وقطر تميل إلى تولية الحكم لتنظيم الإخوان في حين ترفض باقي دول الخليج هذا الخيار. أما الشعب السوري في الداخل فلم يستفته أحد وسيواجه مصيراً مجهولاً لم يختره.
اليوم وطبول الحرب تقرع ضد سوريا والحل السياسي مرهون بضبط التوازنات، على الدول العربية أن تعي أنها قد أصبحت حاضنة ضخمة للإرهاب الذي تم استقدام عناصره من كافة جهات الكرة الأرضية لبث الفوضى فيها، وأن العناصر الإرهابية مسلحة ومدربة تدريباً عالي الكفاءة، وعلى دول الخليج تحديداً أن تعي أنها قد أصبحت محاصرة بأنواع الجماعات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة والجماعات الشيعية في العراق وسوريا واليمن. وأن انفجار الوضع في سوريا دون ضوابط وضمانات تضمن الانتقال السلمي للسلطة بعد الأسد ستكون دول الخليج العربي أول من يدفع ضريبته، تماماً كما حدث في العراق عندما تركت دول الخليج المجال مفتوحاً لإيران تحتل الأرض وتشكل الحكومات التي تدعم الإرهاب الشيعي في البحرين والقطيف.
الأجدر بالدول العربية أن تعمل على نزع فتيل «البركان» السوري بإخراج كل العناصر الدولية المسلحة داخل سوريا، وترك الخيار للشعب السوري يحدد طبيعة المرحلة القادمة ومساعدته بتقديم مبادرات للحوار الوطني والمصالحة ووضع سيناريو للمرحلة الانتقالية يرضي الجميع. وإن الإصرار على إسقاط «شخص» بشار الأسد ومساومته بالشعب السوري كاملاً وبسلامة الدولة السورية، كما حدث حين قايضت أمريكا «شخص» صدام حسين بالدولة العراقية، سيجر لنا كوارث لا يعلم مآلها إلا الله ولن تفلت دول الخليج من حممها مهما حصنت نفسها.