مضى على الأزمة الأخيرة أكثر من سنتين ومازال السواد الأعظم من البحرينيين متمسكين برغبتهم في الاستمرار بمزاج الشحن وتبادل التهم والانتقادات وتبادل المسؤوليات؛ حتى صار مزاج الاستياء والانتقاد مزاجاً مزمناً ومبالغاً فيه.
مثل هذه الحالة جداً طبيعية بعد أي أزمة سياسية حادة، ولكنها غير طبيعية إذا استمرت أطول مما هي عليه الآن. ولا يمكن القبول بعدم معالجة الأزمة مبرراً للاستمرار في مثل هذه الحالة، والإصرار على الاستمرار فيها لأطول فترة ممكنة.
ليس مطلوباً تطبيع العلاقات بين مكونات الشعب البحريني، لأن خصائص المجتمع المحلي تدفعه باستمرار نحو التعايش السلمي ونبذ الجماعات المتطرفة مهما كان مصدرها، ومثل هذه الخاصية أثبتها التاريخ المعاصر.
من إشكاليات استمرار هذا المزاج وتحدياته عاملان؛ أحدهما محلي والآخر إقليمي. حيث تراجعت قدرة الحكومة على إدارة اتجاهات الرأي العام مع ظهور وتنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال صار تأثير تويتر أكثر بكثير من تأثير الصحافة التقليدية أو حتى جهاز التلفزيون الرسمي. وعليه فإن محاولة تغيير هذا المزاج السائد ستصطدم دوماً بوجود شبكات معقدة ومنظمة تعمل لصالح أجندات قوى سياسية متنوعة. وفي ظل احتدام الصراع فإنه من المستبعد أن تتنازل مثل هذه القوى عن نشاطها من أجل تغيير اتجاهات الرأي العام لتكون أقل حدة مما هي عليه الآن.
أما بالنسبة للبعد الإقليمي؛ فإن الصراع في منطقة الشرق الأوسط الذي بدأ من صراع على القضية الفلسطينية وتحول لصراع طائفي بامتياز ممثل في الأحداث الجارية بسوريا بات عاملاً أساسياً في سيطرة مزاج الاستياء على اتجاهات الرأي العام البحريني. ولذلك مهما تمت من جهود لتغيير هذا المزاج في اتجاهات البحرينيين ستبوء بالفشل لأن هناك صراعاً آخر يتجاوز حدودهم الجغرافية صار مؤثراً فيهم، ولا يمكنهم تجاوزه بحكم الانتماءات القومية والدينية.
في ظل هذين التحديين، هل يمكن تغيير المزاج الراهن في اتجاهات الرأي العام البحريني؟
بالطبع من الممكن جداً، إذا تم الاعتراف أولاً بوجود تحديات تدفع باستمرار هذا المزاج لدى البحرينيين، وثانياً البدء في مناقشة القضايا الأهم التي يجب أن تطرح وينشغل بها الرأي العام على المستوى المحلي، وأبرزها القضايا المعيشية التي أثير بشأنها جدل واسع على مدى الشهور الأخيرة تحديداً، فضلاً عن كيفية تطوير أداء القطاع العام، ومعالجة التحديات الاقتصادية التي باتت مؤشراتها في التحسن بعد مرور أكثر من عامين على الأزمة الأخيرة. على أن يتزامن ذلك مع انشغال كبير من كافة أجهزة ووسائل تشكيل الرأي العام بتغيير هذا المزاج، فمحاولة طرف ستكون فاشلة إذا اقتصرت عليه، والعمل الجماعي مطلوب جداً.