البعض يظن للأسف أنه عندما تهتف له الناس بسبب موقف أو خطاب، وأنه حينما يرفعونه ممثلاً عنهم بمعنى وصوله لموقع قيادي بينهم، يظن أن ذلك يعني بلوغه قمة جبل الجليد، وينسى بالتالي أن وجوده في هذا الموقع هو أثقل من الجبل نفسه لأنه منذ تلكم اللحظة وما يعقبها أصبح مطالباً من الناس، بل ملزماً، بأن يمثلهم بصدق وأن يعبر عن آرائهم ويدافع عن مطالبهم.
المشكلة التي ابتلينا بها في البحرين أن هناك من رأى في الناس أسهل طريقة للوصول إلى مواقع ومراتب وكراس، هؤلاء البشر الطيبون الذين يلتفون حول من يعبر عما يختلج بداخلهم يمكنهم أن يرفعوك إلى أعلى عليين في المجتمع، لكن شريطة أن تكون خير ممثل لهم، أميناً على وعدك لهم.
لكن مصيبتنا، بل كارثتنا، أن عديداً من الأشخاص دائماً ما ينسون الناس، دائماً ما يتناسون السبب الرئيس الذي أدى لوصولهم إلى هذا الموقع، ويتعاملون بنفس طريقة «قارون» حينما أنكر نعمة الله عليه وقال «إنما أوتيته على علم عندي»، فيبدأ بالتنكر للناس وسد الآذان عن سماعهم، بل «الأدهى» يبدأ بتجاهلهم والاستياء مما يعبرون عنه من نقد ورأي.
العيب وكل العيب حينما يأتي أحد من هذه النوعيات ويصادر حق الناس في مساءلته ومحاسبته وهم الذين أوصلوه لما هو عليه، لولا الله ثم هم لما كان في هذا الموقع، بالتالي «عيب»، وضعوا تحتها ألف خط أحمر، «عيب» حينما تخدعون الناس وتعدونهم بالشمس في يد والقمر في يد أخرى، وتحلفون وتقسمون أغلظ الأيمان أن تكونوا الصوت الذي يمثلهم، ثم بعد ذلك تضربون الناس على رؤوسهم، يذهب بعضهم ليركض وراء المصلحة والبروز والمكاسب و»الترزز» بحكم المنصب والموقع الذي لم يحصل عليه إلا بفضل الناس عليه، بل يذهب آخرون لتسقيط الناس وشتمهم وحتى التطاول عليهم وتجريدهم من وطنيتهم إن هم انتقدوهم، أكررها «عيب» و»عيب» على الشوارب، ما هكذا أخلاق الرجال، وما هكذا أخلاق من يدعون تمثيل الناس.
مشكلة كثير من متصدري المشهد السياسي والعاملين في الحراك المجتمعي أنهم حينما يريدون المكسب والمغنم والوصول لمواقع يوجهون خطابهم بشكله العمومي لجميع الناس، وفي تلك الفترة يتقبلون منهم يستمعون لهم بل يذهبون لأماكنهم، لكن حينما يتحصلون على مرادهم ينسون الناس ويركزون على جماعتهم، أليس في ذلك خداع صريح؟!
هؤلاء يحتاجون لمناظرة علنية صريحة مع الناس يجيبون فيها على أسئلتهم وانتقاداتهم وعلى رأسها السؤال الأهم؛ «أين وعودكم، لماذا خدعتمونا، وكذبتم علينا، واستغليتم الظروف وصعدتم على أكتافنا، واليوم تتهربون منا ومن مساءلتنا لكم؟!».
استغلال البشر ليست عملية تتم هكذا كيفما اتفق، بل عملية يتم الترتيب لها بحرفنة وعناية، لا يقوم بها إلا من في قلبه شيء ولديه طموح خفي وهدف غير معلن. هؤلاء يدركون أن استغلال البشر يمكن أن يرفع أشخاصاً فاشلين سياسياً إلى صدارة المشهد السياسي بل ويجعلهم قادة مجتمع، لكن يظل هذا «سراباً» و»بخاراً» يزول حينما يكون الشارع واعياً لا يقبل بأن يتم استغلاله لا بذريعة الدين أو الولاء المذهبي أو عبر خطابات رنانة أو وعود وردية.
هذا التوصيف ينطبق على كثير من البشر، سواء سياسيين أو مشتغلين في السياسة، أو قادة جمعيات وعناصرها، وحتى سلطة تشريعية والتي في حالتنا ضربت أبلغ الأمثلة على التذلل للناس والوصول لحب رؤوسهم بل بعضهم تكفل بـ»ماجلة» بيوت عديدة فقط لأجل الصوت الانتخابي، ثم ضربوا المواطن على قفاه وتركوه «يهلوس» كما المجنون.
لهؤلاء نقول؛ إن كان السكوت في الفترة الماضية مراعاة لوحدة الصف وتجنباً لشرخه، أو لعدم الإضرار بشكلكم العام، أو لعدم تمكين المتربصين بهذا البلد للشماتة والانتقاص منكم، فإن الأمور وصلت لمسألة باتت لا تستوجب السكوت، هذا مصير بلد وهذه أعصاب مواطنين مخلصين، إما أن تمثلوهم بشكل صحيح، وإما ليترجل من هدفه نفسه وشكله وصورته ومكسبه وما يمني نفسه من غنائم، يكفي هذا البلد من باعها من «خونة»، لا نحتاج لآخرين يبيعون ويشترون فيها على حساب الناس الذين وثقوا بهم.
الكلام واضح، راجعوا حساباتكم، فالبحرين تبقى أكبر منكم ومنا ومن الجميع، تراب هذا الوطن ليس للبيع لخائن وليس محل مساومة لطامع.