في أكثر من مناسبة، أكد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، أن الصلاحيات الحالية لرئيس الجمهورية الإيرانية «غير كافية»، لعل آخرها كان أمام حشد من ممثلي الاتحادات الإسلامية الطلابية لجامعات «آزاد»، حيث ألقى كلمة قال فيها: «لو أن أحداً ما يستطيع القيام بدور رئيس الجمهورية والنجاح في التنفيذ الكامل للدستور فإن عليه الدخول إلى الساحة، وإلا فإن دخوله ليس صحيحاً»، كما حاول كثيرون المطالبة بتقليل سلطات المرشد الأعلى. حدث ذلك إبان الانتخابات الرئاسية الإيرانية قبل أربع سنوات، وفي مايو 2005 خرجت مطالبات من إصلاحيين وثائرين على سلطاته المطلقة -تم قمعهم طبعاً- طالبوا بتقليل صلاحياته وإعطاء صلاحيات حقيقية للرئيس المنتخب، ووصفوا سلطاته بأنها تأتي في المرتبة العاشرة في إيران، واتهم معارضو حكم رجال الدين في طهران المرشد الأعلى علي خامنئي باستغلال الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة الماضية لإضعاف سلطة الرئيس وترسيخ سلطته، مؤكدين أن الجمهورية تلغي نفسها في مواجهة الزعيم؛ فمن هو هذا الزعيم؟ وما هي صلاحياته؟ وماذا يتبقى للرئيس الإيراني من صلاحيات؟
لابد قبل الخوض في ذلك أن نؤكد أنه لا يعنينا من أمر إيران سوى قدر تدخلها في عالمنا العربي ودولنا وأطماعها ومشروعها وتأثيرها على مجتمعاتنا، وببساطة نستطيع القول إنها موغلة في ذلك حتى أذنيها، وتدخلاتها لا تخفى على أحد، ولا داعي لتكرارها أو إعطائها مساحة تأخذ من مساحة الموضوع الأساسي.
لكي نجيب عن السؤال أعلاه؛ نبدأ بصلاحيات المرشد الأعلى، إذ تنص المادة «110» من الدستور الإيراني على مهامه وصلاحياته بما يلي: «للمرشد الأعلى تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، والإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام، وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وتولي القيادة العامة للقوات المسلحة، والانفراد بإعلان الحرب والسلام والنفير العام، وله تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من «فقهاء مجلس صيانة الدستور، أعلى مسؤول في السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رئيس أركان الجيش، القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي»، ويتولى حل الاختلافات وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث وحل مشكلات النظام -التي لا يمكن حلها بالطرق المتعارفة- من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام، وينفرد بإمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب وعزله بناءً على مصالح البلاد «بحسب تقديره طبعاً»، كما يحق له العفو عن المحكوم عليهم أو التخفيف من عقوباتهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح من رئيس السلطة القضائية، هل هناك داعٍ لإكمال باقي صلاحيات المرشد الأعلى أم نكتفي بهذا القدر؟ وهل بقي لرئيس البلاد من صلاحات؟
بحسب موسوعة «ويكيبيديا» يضع الدستور الإيراني قائد الثورة الإسلامية أو «الولي الفقيه» أو «المرشد الأعلى» في رأس هرم النظام السياسي للدولة الإيرانية رغم عدم وجود أية آثار لهذا العنوان في الدستور الإيراني، و»قيادة الثورة» هي الجهة التي تحدد السياسات العامة وتشرف على سير السلطات الثلاث في البلاد.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه ليصل إلى الهيمنة حتى على من لديه مجرد نية في الترشح للسباق الرئاسي؛ إذ يجب أن ينال موافقة مجلس صيانة الدستور التابع للمرشد الأعلى قبل الانتخابات، فعلى سبيل المثال امتد تسجيل المرشحين لانتخابات هذا العام بين 7-11 مايو 2013 بمقر وزارة الداخلية الإيرانية، وسجل 686 مرشحاً، وبعد مراجعة مجلس صيانة الدستور لملفات المرشحين تم الإعلان عن اللائحة النهائية المكونة من ثمانية مرشحين تقلص عددهم إلى 6 فقط!!
هذا المجلس هو ذراع آخر للمرشد الأعلى يقف أمام طموح الإيرانيين في التغيير، وعن ذلك كتب عطا الله مهاجراني بصحيفة الشرق الأوسط عدد الإثنين 17 يونيو 2013 «خلال السنوات القليلة الأولى التي تلت نجاح الثورة الإسلامية، كنا نعتقد أن هناك ثلاث قضايا مهمة وحاسمة للغاية بالنسبة لنا؛ وهي الحرية والعدالة والاستقلال، وكنا نعتقد أن شكل الجمهورية الإسلامية سيكون أفضل إطار لتحقيق هذه الأهداف، ومرت عقود منذ ذلك الحين ولم يتحقق اثنان من أهدافنا؛ حيث إننا لانزال نتوق إلى الحرية والعدالة، وفي كل مرة يحاول فيها الإيرانيون أن يلعبوا دوراً عظيماً في البلاد يواجهون عائقاً هائلاً يتعذر اجتيازه وهو مجلس صيانة الدستور، الذي أصبح سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع بشكل يجعل الشعب الإيراني يشعر بأنه لا مجال للإصلاح».
شريط إخباري
بعد كل ذلك؛ هل نستطيع أن نقول أن الإيرانيين انتخبوا رئيسهم؟! أو حاكمهم؟! وأن في إيران ديمقراطية أو تداولاً للسلطة؟ أم هي سلطة كاملة منفردة ولا تمس بيد رجل واحد محمية بسياج ديني غيبي!! تجعل من «الولي الفقيه» حاكماً مطلقاً مدى الحياة!؟.