عمد الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني، في مؤتمره الصحافي الأول، إلى تحديد مضمون وظيفته الجديدة، أكثر من إعلان برنامج حكم. فالرجل الخبير في آليات الحكم الإيراني وكيفية صناعة القرار فيه يعرف جيداً أن برنامج الحكم يصنع في مكان آخر غير رئاسة الجمهورية. لقد كرر روحاني، متعمداً، المواقف الإيرانية المعروفة من كل الملفات الحارة. ليزيل كل الأوهام التي ارتبطت بانتخابه رئيساً سيدخل تغييراً على السياسة الإيرانية. في المقابل أسهب الرجل في القضايا المعيشية للشعب الإيراني، ما يعني أن هذا الموضوع سيكون العنوان الأساسي لولايته الرئاسية. لا ينتمي روحاني إلى الصف الأول من رجالات التيار المحافظ الذي برز في ظل رئاسة محمود أحمدي نجاد.
وقد مارس دوراً علنياً أساسياً في ظل رئاسة محمد خاتمي، ما دفع بعض المحللين إلى وضعه في صف التيار «الإصلاحي - المعتدل». وما شهدته انتخابات الرئاسة والشائعات عن قرار في المجلس الدستوري باستبعاده، كل ذلك عزز صورة المرشح المناهض للتيار المحافظ. وإذا كانت ثمة دلالة في انتخاب روحاني من الدورة الأولى فهي التوق الشعبي الإيراني من أجل التخلص من إدارة لا تظهر أي اهتمام بمعاناتهم المعيشية والحياتية وتقف بعناد في مواجهة طموحهم إلى الانعتاق.
فكان هذا الانتخاب بمثابة تلبية لطموحات شعبية، أو على الأقل نظر إليه الناخب الإيراني على أنه كذلك. في موازاة ذلك، أبدى مطبخ القرار الارتياح إلى حسم معركة الرئاسة من الدورة الأولى لمصلحة روحاني.
يصعب الاعتقاد بحصول تزوير من أجل الحصول على هذه النتيجة، لكن وصول روحاني، بصفته «الإصلاحي - المعتدل»، يوفر لمطبخ القرار فسحة من الوقت يحتاج إليها بإلحاح، سواء في مواجهة الحركة المطلبية والاحتجاجية الداخلية أو في مواجهة ملفات الخارج، خصوصاً الملف السوري والعلاقة مع دول الخليج والملف النووي. وفور إعلان النتيجة الذي جاء بسرعة غير معتادة، حصل مطبخ القرار الإيراني على ما يريد من وقع فوري لنبأ انتخاب روحاني. إذ جرى اعتبار أن الوضع المتأزم مع إيران يعود إلى إدارة محمود أحمدي نجاد المتشدد، وأن رئيساً معتدلاً سيدخل تعديلات على هذه السياسة المتشددة.
وسعى روحاني نفسه إلى ترويج هذا الانطباع، في مؤتمره الصحافي، بإشارته إلى الاتفاق الأمني مع السعودية والذي وقعه شخصياً، لكنه لم يرغب في دفع هذا المنطق إلى نهايته والحديث عن نتائج مثل هكذا اتفاقات عندما تكون الملفات تعالج في مكان آخر، بدليل كمية الاختراقات الاستخباراتية والأمنية الإيرانية في المنطقة والتي تلغي نتائج أي اتفاق. هكذا احتاج مطبخ القرار الإيراني إلى وجه يمكن «عرضه للبيع»، بدل الوجوه المحروقة مثل جليلي أو قاليباف أو ولايتي، وهي وجوه محروقة في الداخل وفي الخارج أيضاً.
في الداخل كان لوصول شخصية موصوفة بالمحافظة أن تشعل الاحتجاجات الداخلية، كما حصل لدى إعادة انتخاب أحمدي نجاد. وفي الخارج، لن يكون لهؤلاء أي صدقية في الحديث عن تغيير. مطبخ القرار في إيران يعبر عنه المرشد علي خامنئي، لكن قوته تكمن في التحالف بين مؤسسة «الحرس الثوري» «العسكرية - الأمنية» والمؤسسة الدينية «السياسية - الأيديولوجية». ويعود أمر البت في كل الملفات إلى هذا المطبخ. وروحاني يشكل في شخصه نقطة تقاطع المؤسستين، مع إضافة نكهة الاعتدال والدبلوماسية الناعمة التي تحتاج إليها إيران حالياً لالتقاط الأنفاس في مواجهة الضغوط من كل صوب.
- عن «الحياة» اللندنية
{{ article.visit_count }}
وقد مارس دوراً علنياً أساسياً في ظل رئاسة محمد خاتمي، ما دفع بعض المحللين إلى وضعه في صف التيار «الإصلاحي - المعتدل». وما شهدته انتخابات الرئاسة والشائعات عن قرار في المجلس الدستوري باستبعاده، كل ذلك عزز صورة المرشح المناهض للتيار المحافظ. وإذا كانت ثمة دلالة في انتخاب روحاني من الدورة الأولى فهي التوق الشعبي الإيراني من أجل التخلص من إدارة لا تظهر أي اهتمام بمعاناتهم المعيشية والحياتية وتقف بعناد في مواجهة طموحهم إلى الانعتاق.
فكان هذا الانتخاب بمثابة تلبية لطموحات شعبية، أو على الأقل نظر إليه الناخب الإيراني على أنه كذلك. في موازاة ذلك، أبدى مطبخ القرار الارتياح إلى حسم معركة الرئاسة من الدورة الأولى لمصلحة روحاني.
يصعب الاعتقاد بحصول تزوير من أجل الحصول على هذه النتيجة، لكن وصول روحاني، بصفته «الإصلاحي - المعتدل»، يوفر لمطبخ القرار فسحة من الوقت يحتاج إليها بإلحاح، سواء في مواجهة الحركة المطلبية والاحتجاجية الداخلية أو في مواجهة ملفات الخارج، خصوصاً الملف السوري والعلاقة مع دول الخليج والملف النووي. وفور إعلان النتيجة الذي جاء بسرعة غير معتادة، حصل مطبخ القرار الإيراني على ما يريد من وقع فوري لنبأ انتخاب روحاني. إذ جرى اعتبار أن الوضع المتأزم مع إيران يعود إلى إدارة محمود أحمدي نجاد المتشدد، وأن رئيساً معتدلاً سيدخل تعديلات على هذه السياسة المتشددة.
وسعى روحاني نفسه إلى ترويج هذا الانطباع، في مؤتمره الصحافي، بإشارته إلى الاتفاق الأمني مع السعودية والذي وقعه شخصياً، لكنه لم يرغب في دفع هذا المنطق إلى نهايته والحديث عن نتائج مثل هكذا اتفاقات عندما تكون الملفات تعالج في مكان آخر، بدليل كمية الاختراقات الاستخباراتية والأمنية الإيرانية في المنطقة والتي تلغي نتائج أي اتفاق. هكذا احتاج مطبخ القرار الإيراني إلى وجه يمكن «عرضه للبيع»، بدل الوجوه المحروقة مثل جليلي أو قاليباف أو ولايتي، وهي وجوه محروقة في الداخل وفي الخارج أيضاً.
في الداخل كان لوصول شخصية موصوفة بالمحافظة أن تشعل الاحتجاجات الداخلية، كما حصل لدى إعادة انتخاب أحمدي نجاد. وفي الخارج، لن يكون لهؤلاء أي صدقية في الحديث عن تغيير. مطبخ القرار في إيران يعبر عنه المرشد علي خامنئي، لكن قوته تكمن في التحالف بين مؤسسة «الحرس الثوري» «العسكرية - الأمنية» والمؤسسة الدينية «السياسية - الأيديولوجية». ويعود أمر البت في كل الملفات إلى هذا المطبخ. وروحاني يشكل في شخصه نقطة تقاطع المؤسستين، مع إضافة نكهة الاعتدال والدبلوماسية الناعمة التي تحتاج إليها إيران حالياً لالتقاط الأنفاس في مواجهة الضغوط من كل صوب.
- عن «الحياة» اللندنية