تتفرع علوم اقتصاديات الصحة إلى فروع متعددة، ولعل أحد أهم هذه الفروع هي تلك المتعلقة باقتصاديات الدواء الذي يهتم بالمجمل بالمقارنة بين عدد من الأدوية لمعرفة أيهما الأفضل، من حيث الفعالية والفائدة للمريض ومن حيث السعر.
وتأتي أهمية هذا الفرع من العلوم الصحية كونه يؤهل المستشارين الذين يسهمون في توجيه صناع القرار في المجال الصحي، بالموازنة بين أفضل الخدمات والموارد الصحية، مع عدم إثقال كاهل الإنفاق الصحي، الأمر الذي لم يعد مستحيلاً بوجود نظريات علمية وتطبيقات عملية ضمن علوم اقتصاديات الدواء الذي أحرز نتائج ملموسة، مع أنه من العلوم الحديثة نسبياً، واستخدم من قبل الجهات الصحية في عمليات ترخيص الأدوية وإعداد قوائم الأدوية على مستوى وزارات ومجالس الصحة القومية، أو قوائم الأدوية في المنشآت الطبية والمستشفيات.
والمساهمة في إعداد دراسات جدوى متخصصة في اقتصاديات الأدوية تزاوج في الاهتمام بين الجوانب الصحية الإكلينيكية والجوانب المالية والاقتصادية باعتماد ميزانيات مرنة تأخذ بعين الاعتبار التغييرات في أسعار الأدوية، وتواكب المستجدات في التقنيات الطبية.
وهذا أمر أصبح مطبقاً في الكثير من الدول المشهود لها في مجال الخدمات الطبية الراقية منها؛ دول إسكندنافية كالسويد والنرويج وأخرى كبريطانيا وكندا وأستراليا، والتي كانت لها السبق في هذا المضمار، وطبقته دول أخرى ذات تجربة رائدة مثل ماليزيا؛ التي حققت فيه نتائج مبهرة، وهو الأمر الذي يدعو دولاً في المنطقة إلى الاهتمام بعلم اقتصاديات الدواء.
حيث شهدت المنطقة عدة مؤتمرات حول الاقتصاديات الدوائية بغية مواكبة التحديات الجمة التي يتعرض لها القطاع الصحي، والذي يعاني من زيادات عالمية مضطردة في أسعار الأدوية الناتج عن عوامل لا حصر لها؛ أبرزها المنافسة الشرسة بين كبريات شركات الدواء العالمية؛ وهي منافسة لا تقل شراسة عن تلك المنافسة القائمة بين شركات النفط والسلاح. ووسائل حماية هذه الشركات لمنتجاتها عبر فرض قوانين «حمائية» بغرض الحفاظ على حقوقها في تصنيع الأدوية لسنوات طويلة، مع حظر عمليات تصنيعها على أي جهات أخرى.
ومع ما أثاره هذا الأمر من جدل عالمي واسع قانوني وعلمي وأخلاقي وإنساني متعلق باحتكار أدوية حيوية وتعد غالية الثمن؛ كأدوية الإيدز، واندلع صراع حول هذا الملف قادته دول نامية تعاني نسب عالية من سكانها من هذه الأمراض كجنوب أفريقيا والهند، وتحدت شركات محلية القوانين «الحمائية» وقامت بتصنيع أدوية ذات تأثيرات مشابهة بأسعار أقل مثيرة زوبعة لم تنتهِ حتى يومنا هذا.
كما إن التطور السريع في نوعيات التقنيات الطبية والدوائية شكل وجهاً آخر من أوجه التحدي التي تتطلب تطوراً موازياً في أدوات اتخاذ القرار الصحي، يأخذ بأسس علم اقتصاديات الدواء ويعلي قيمة الاحتراف والمهنية في هذا المجال الحيوي غير مفصول عن احتياجات أخرى مكملة تتعلق بتطوير العمل الدوائي ليصبح الصيادلة أكثر من مجرد بائعي ومنتجات طبية، وليأخذوا دورهم الفاعل ضمن الطاقم الطبي كحلقة مهمة مرتبطة بمسألة الأمن الدوائي للمريض، ولنصل إلى المستوى المنشود ونوفر الكثير من مقدرات دولنا ومنشآتنا الطبية ونبني قواعد سليمة لاقتصادياتنا الدوائية بما يكفل عدم المساس بالجودة.