أولاً نحن لسنا أمام «حوار» و لا أي صورة من صور التعاطي الديمقراطي المشروع لعرض مطالب سياسية، نحن أمام عمل إجرامي إرهابي بامتياز تبتز فيه مجموعة إرهابية شعباً بأسره من أجل فرض نموذج سياسي معين تضافرت معها قوى دينية وإعلامية وتحت مظلة حماية أمريكية.
ثانياً لسنا أمام حراك سلمي مشروع ومصان دستورياً لأحزاب سياسية لها مطالب سياسية مشروعة، وإلا كنا دافعنا عن حقها الدستوري وألزمنا الدولة بالتعاطي السلمي معها، ولم تكن تلك الأحزاب حينها بحاجة لدعم أجنبي كي تمارس حقها بل كنا جميعاً سنحمي حقها وإن اختلفنا معها، إنما نحن أمام «حاضنات إرهابية» و»جماعات إرهابية» و»أعمال إرهابية» ترفع مطالب سياسية تتدثر بحماية أمريكية، وصولنا إلى هذه المرحلة الخطرة من تفجيرات وسقوط ضحايا ومئات المقبوض عليهم كان نتاج بداية خاطئة وتراكمات خاطئة بنيت عليها أوصلتنا إلى هذه النقطة الحرجة، وليس الحل بالقبض على الشباب بل قطع دابر الحاضنات.
من يقود الحراك السياسي طوال السنوات العشر الماضية ومنذ بداية المشروع الإصلاحي وليس من عام 2011، هم «جبهات التحرير» الإسلامية واليسارية التي تشكلت منذ الستينات والثمانينات، من يقود الحراك السياسي هم ذات الشخوص الذين حملوا السلاح في وجه النظام، ولم تستطع هذه الجماعات أن تنتقل من ثقافة التحرير والكفاح «المسلح» إلى ثقافة العمل السياسي الدستوري، لذا بقيت تلك الجماعات حاضنة طبيعية للإرهاب المسلح بمسمى جمعية سياسية وصنفت نفسها على أنها «معارضة» وخطفت المشروع الإصلاحي من شعب البحرين واستولت عليه واحتكرت مكاسبه السياسية.
عشر سنوات لم تتخلص فيها تلك الجمعيات من ثقافة السلاح والعنف والإرهاب، عشر سنوات دعمت إرهابها بمجلس علمائي خارج نطاق الدولة والقانون وبصحيفة وبعلاقات دولية، عشر سنوات حصلت فيها على رعاية أمريكية تخدم أجندتها ودعم إيراني يخدم أجندته، فهل نجحنا في خلق نموذج ديمقراطي مشجع لدول الجوار كي تنهج نهجنا؟ هل ما وصلت إليه البحرين يعد مشروعاً ديمقراطياً محفزاً للآخرين؟ أم محصلة مخيفة لا يتمناها أحد؟
المشروع الإصلاحي لم ينجح في خلق حراك سياسي شاب جديد خالٍ من إرث الماضي، ويستفيد من المناخ السياسي الجديد، بل بقي أسير هذا الإرث كل من استفاد من أدوات ومناخ المشروع، هم جماعات «التحرير»، حتى أصحاب «النفوذ» في السلطة كان لهم دور في هذا التراجع، حين تدخلوا ليخنقوا البدايات الجديدة -على ضعفها- التي حاولت أن تتخلق كقوى سياسية مستقلة بعيدة عن تلك القوى الرجعية، فكانت النتيجة أن قويت شوكة الجماعات المثقلة بإرث الكفاح المسلح الإرهابي واستأسد المجلس العلمائي وطوى تحت عباءته اليسار وانفرد واحتكر خانة «المعارضة» بإرهابه وبتخويفه وبعنفه وبهيمنته وبضربه الدستور والقانون عرض الحائط، مقابل سكوت وإهمال من السلطة ومقابل هزال وضعف الحراك السياسي المستقل عن عباءة تلك الجماعات والمستقل عن عباءة السلطة!
لنقر بأن البدايات لم تكن صحيحة، وأن الإهمال والاتكال على الزمن كان خطأ ارتكبته السلطة ترك لأثقال الماضي أن تجرنا للأسفل بدلاً من أن يرفعنا المشروع الإصلاحي للأعلى.
كان يجب رعاية وحماية هذا المشروع والانتباه إلى مواطن استغلاله وثغرات الضعف التي ممكن لقوى الظلام أن تجره إليه، إنما شيء من هذا لم يحدث، كان يجب أن تترك القوى الشابة أن تتحسس طريقها دون خوف خاصة أن هناك أطراً دستورية تحدد سقف الملعب السياسي.
النقطة الحرجة التي أوصلتنا لها هذه السقطات وهذا الإهمال تضعنا اليوم أمام منعطف تاريخي يحتاج أن نقطع فيه دابر الإرهاب المتراكم طوال السنوات العشر الماضية ونعيد فيها قوى الظلام إلى جحورها ونعيد التجربة من جديد، وستبقى المطالب السياسية والحراك السياسي المشروع ومحاربة الفساد وحق الاعتراض وتمثيل الإرادة الشعبية و.. و.. وأية أهداف مشروعة، وأية حقوق مشروعة للشعوب ستبقى ولن تتأثر بعد قطع دابر الإرهاب من جذوره.
سنطور التجربة الديمقراطية وسيبقى سقف التعبير مرتفعاً وستبقى مؤسستنا المدنية تعمل وستبقى أدواتنا الدستورية محمية وستبقى أحزابنا السياسية تمارس حقها وتتطور في الأداء ولن تتراجع الديمقراطية ولكننا سنقضي على دابر الإرهاب وأثقال قوى الظلام.
ستظهر أحزاب جديدة وستظهر صحف جديدة وستظهر قوى وتيارات سياسية معارضة جديدة وربما تكون أشرس في أدائها السياسي من هذه الجمعيات الحاضنة للإرهاب المثقلة بإرث الماضي وثقافة «التحرير» العاجزة عن الانطلاق للمستقبل.
المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك عام 2000 بحاجة إلى «ريستارت» من جديد بروح شبابية تعرف معنى ومفهوم العمل السياسي الديمقراطي وتعرف كيف تكون شريكاً فاعلاً في عملية البناء، المشروع الإصلاحي بحاجة لضغط شعبي عارم ومتواصل يحول هذه المطالب إلى مطالب ملحة توظف هذه التطورات الخطيرة للدفع باتجاه التصحيح، لن نسمح بالمواءمة السياسية من جديد، نحن بحاجة لثورة تصحيحية بيضاء مثلما حدث في 2000 ليبدأ المشروع الإصلاحي البداية الصحيحة.
فإن كانت هناك أي دولة -أمريكا أو غيرها- تريد فعلاً أن تنقذ التجربة الديمقراطية البحرينية وتطورها لتكون نموذجاً مشجعاً لدول المنطقة عليها أن ترفع يدها عن دعم الحاضنات الإرهابية ولا تنتظر الحل من عيسى قاسم أن يحرم الإرهاب بفتوى، فتلك مجرد حبة بندول لن تعالج علتنا.. وسنكون لها شاكرين.