هناك مجموعة من العوامل التي تؤدي إلى تطرف الإنسان، واتخاذه أقصى درجات الميل عن الصواب، بركونه لطرف الخط المستقيم، غير مكترث ببقية من يعيشون على خط الحياة، ومن هنا تنشأ لديه حالة من التعصب الأعمى لمواقفه وأفكاره وممارساته، فتنشأ لديه مجموعة من الأمراض؛ كالحسد والكراهية وحب الموت!.
هناك أسباب واضحة تؤدي للتطرف؛ كالتنشئة الخاطئة أو الاضطراب العصابي والذهاني، وهناك أسباب أخرى كوجود عوامل اجتماعية وسياسية ودينية منحرفة، تساهم بشكل مباشر في خلق مناخات محفزة لكافة أنواع التطرف.
إن من أهم الأسباب غير المرئية أو المهملة للتطرف هو»انخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي للفرد، لأن الأسرة الفقيرة لا تستطيع أن تدعم أفرادها أو أن تزودهم بمهارات التكيف الخاصة في وقت الأزمات»، وهذا السبب المهم جداً، وهو الذي سنحاول التركيز عليه هنا.
إن الدول التي تكفل الحياة الكريمة للإنسان عادة ما نرى مواطنيها يعيشون بعيداً جداً عن التطرف، ومن ينشأ متطرفاً في تلك المجتمعات المتقدمة في معدلات مداخيل منتسبيها فإنهم قلة للغاية، ومن المؤكد أن ما دفعهم للتطرف هي أمور أخرى لا علاقة لها بالفقر أو الغنى. إن شعور الإنسان بامتهان كرامته وابتذالها من قبل الدولة يدفعه للتطرف، لأن الجوع كافر، والفقر كافر، والحاجة لسد الفاقة كافر آخر، فإذا اجتمع الكفر المفضي إلى تفريغ الإنسان من إنسانيته فإنه ينقلب إلى وحش، وليس إلى مجرد متطرف.
ينسب إلى الخليفة الرابع علي بن أبي طالب عليه السلام قوله (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، وقال في ذات السياق (الفقر يخرس الفطن عن حجته...)، وهنا دلالات دامغة أن القضاء على التمييز وتثبيت أركان العدالة الاجتماعية وسحق كل أشكال الطبقية بين أفراد المجتمعات البشرية أمر ضروري للغاية، فالفقير يولد متطرفاً من خلال الأجواء الضاغطة التي يشهدها ويعيشها، ومن هنا فإن الدول التي لا تسعى للقضاء على الفقر فإنها تخلق صفاً عظيماً من المتطرفين، ربما يمثلون رقماً صعباً في واقعها ومستقبلها.
إن من أنجع قوانين القضاء على الإرهاب هو في تجفيف منابعه، ومن أهم قوانين القضاء على التطرف هو القضاء على الفقر، حيث يعتبر القنبلة الموقوتة في وجه كل الأنظمة غير العادلة، وحين تعدل الدول بين رعيتها وتقضي على بقية أسباب التطرف الأخرى، فحينها لا يكون للمتطرف أي ذريعة يمكن أن يطرحها في مسيرته عند الجنوح عن الحق.
من الصعب جداً أن نجد متطرفاً في المجتمعات الخالية من الفقر والجوع والحاجة، لأن الإنسان في تلك الدول تكتسيه حلل العدل والإنصاف، وحين يخرج من بينهم متطرف، فإنه وبكل تأكيد لا علاقة لتطرفه بالفقر، بل لأسباب أخرى يطرحها علماء الاجتماع في بياناتهم حول أسباب التطرف في الدول المخملية، وهم قلة، وربما يكون غالبيتهم من المسلمين أو العرب مع الأسف الشديد.